اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ} (26)

قوله : «سَيَعْلَمُونَ » قرأ ابنُ عامر وحمزةُ بالخطاب . وفيه وجهان :

أحدهما : أنه حكاية قول صالح لقومه .

والثاني : أنه خطاب الله على جهة الالتفات . والباقون بياء الغيبة جَرْياً على الغيب قبله في قوله : «فَقَالُوا أَبَشراً » ، واختارها مَكِّيٌّ ، قال : لأن عليها الأكثر{[54089]} .

و«غَداً » ليس المراد به الذي يلي يومك بل الزمان المستقبل ، كقول الطِّرمَّاح ( رحمةُ الله عليه ورضاه ) {[54090]} :

أَلاَ عَلِّلاَنِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ *** وَقَبْلَ اضْطِرَابِ النَّفْسِ بَيْنَ الجَوَانِحِ

وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَدٍ *** إذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْتُ بِرَائِحِ{[54091]}

والمعنى «سَيَعْلَمُون غَداً » حين يَنْزِلُ عليهم العذاب . قال الكلبي : يعني يوم القيامة . وذكر الغد للتقرِيبِ على عادة الناس يقولون : إنَّ مَعَ الْيَوْم غَداً{[54092]} .

فصل

الكذَّاب فعال صيغة مبالغة ، لأن المنسوب إلى الشيء لا بدَّ له من أن يكثر من مزاولة الشيء ، فإنَّ من خاط يوماً لا يقال له : خيَّاط فالمبالغة ههنا إما في الكثرة بأن يكون كثيرَ الكذب ، وإمّا في الشدة أي شديد الكذب ، يقول ما لا يقبله العقل . ويحتمل أن يكونوا وصفوه بذلك لاعتقادهم الأمرين جميعاً . وقولهم «أشِرٌ » إشارة إلى أنه كذب لا لضرورة وحاجة وإنما هو استغنى فبَطَرَ وطلب الرِّئَاسَةَ{[54093]} .


[54089]:وهذه قراءات سبعيّة متواترة. وانظر السبعة 618، والكشف لمكي 2/297 و298، وحجة ابن خالويه 338 والإتحاف 405.
[54090]:زيادة من أ كالعادة.
[54091]:من الطويل هذان البيتان للطّرماح. والشاهد في "غدٍ" مكررة فإن المراد من الأيام التالية وليس اليوم التالي ليومه مباشرة. وانظر القرطبي 17/139 والبحر 8/180 وأمالي الشجري 1/247 و256 و268، والمغني 94 وشرح شواهده للسيوطي 274 وفتح القدير 5/126 وروح المعاني 27/88.
[54092]:ذكره البغوي في معالم التنزيل 6/276.
[54093]:بالمعنى من تفسير الإمام 15/52.