الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ} (26)

" سيعلمون غدا " أي سيرون العذاب يوم القيامة ، أو في حال نزول العذاب بهم في الدنيا . وقرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على أنه من قول صالح لهم على الخطاب . الباقون بالياء إخبار من الله تعالى لصالح عنهم . وقوله : " غدا " على التقريب على عادة الناس في قولهم للعواقب : إن مع اليوم غدا ؛ قال :

للموتِ فيها سهامٌ غيرُ مُخْطِئَةٍ *** من لم يكن مَيِّتاً في اليوم مَاتَ غدا

وقال الطِّرِمَّاح :

ألا عَلِّلاَنِي قبل نَوْحِ النَّوَائحِ *** وقبل اضطرابِ النفس بينَ الجَوانح

وقبل غدٍ يا لهفَ نفسي على غدٍ *** إذا راح أصحابي ولستُ برائح

وإنما أراد وقت الموت ولم يرد غدا بعينه . " من الكذاب الأشر " وقرأ أبو قلابة " الأشر " بفتح الشين وتشديد الراء جاء به على الأصل . قال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم بالأشر والأخير إلا في ضرورة الشعر ، كقول رؤبة :

بلال خيرُ الناس وابنُ الأَخْيَرِ

وإنما يقولون هو خير قومه ، وهو شر الناس ، قال الله تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس{[14485]} " [ آل عمران : 110 ] وقال : " فسيعلمون من هو شر مكانا{[14486]} " [ مريم : 75 ] . وعن أبي حيوة بفتح الشين وتخفيف الراء . وعن مجاهد وسعيد بن جبير ضم الشين والراء والتخفيف ، قال النحاس : وهو معنى " الأشر " ومثله رجل حَذِر وحَذُر .


[14485]:راجع جـ 4 ص 170.
[14486]:راجع جـ 11 ص 144.