روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{سَيَعۡلَمُونَ غَدٗا مَّنِ ٱلۡكَذَّابُ ٱلۡأَشِرُ} (26)

وقوله تعالى : { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر } حكاية لما قاله سبحانه وتعالى بصالح عليه السلام وعداً له ووعيداً لقومه ، والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده ، والمراد بالغد وقت نزول العذاب الدنيوي بهم ، وقيل : يوم القيامة فهو لمطلق الزمان المستقبل وعبر به لتقريبه ، وعليه قول الطرماح :

ألا عللاني قبل نوح النوائح *** وقبل اضطراب النفس بين الجوانح

وقبل ( غد ) يا لهف نفسي على غد *** إذا راح أصحابي ولست برائح

أي { سَيَعْلَمُونَ } البتة عن قريب { مَّنِ الكذاب الأشر } الذي حمله أشره وبطره على ما حمله أصالح أم من كذبه ، والمراد سيعلمون أنهم هم الكذابون الأشرون لكن أورد ذلك مورد الإبهام إيماءاً إلى أنه مما لا يكاد يخفي ، ونحوه قول الشاعر :

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن *** ( أيى وأيك ) فارس الأحزاب

وقرأ ابن عامر . وحمزة . وطلحة . وابن وثاب . والأعمش ستعلمون بتاء الخطاب على حكاية ما قال لهم صالح مجيباً لهم ، وفي «الكشاف » أو هو كلام على سبيل الالتفات ، قال «صاحب الكشف » : أي هو كلام الله تعالى لقوم ثمود على سيل الالتفات إليهم إما في خطابه تعالى لرسولنا صلى الله عليه وسلم وهو نظير ما حكاه سبحانه عن شعيب { فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ يا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ } [ الأعراف : 79 ] بعد ما استؤصلوا هلاكاً وهو من بليغ الكلام فيه دلالة على أنهم أحقاء بهذا الوعيد وكأنهم حضور في المجلس حول إليهم الوجه لينعى عليهم جناياتهم . وإما في خطابه عز وجل لصالح عليه السلام والمنزل حكاية ذلك الكلام المشتمل على الالتفات . وعلى التقديرين لا إشكال فيه كما توهم . ولفظ الزمخشري على الأول أدل وهو أبلغ انتهى ، ومن التفت إلى ما قاله الجمهور في الالتفات لا أظنه تسكن نفسه بماذكر فتأمل ، وقرأ مجاهد فيما ذكره «صاحب اللوامح » . وأبو قيس الأودي { الاشر } بثلاث ضمات وتخفيف الراء . ويقال : أشر وأشر كحذر وحذر فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لها .

وحكى الكسائي عن مجاهد ضم الشين دون الهمزة فهو كندس . وقرأ أبو حيوة { الاشر } أفعل تفضيل أي الأبلغ في الشرارة وكذا قرأ قتادة . وأبو قلابة أيضاً وهو قليل الاستعمال وإن كان على الأصل كالأخير في قول رؤبة :

بلال خير الناس وابن الأخير *** وقال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم بالأخير و { الاشر } إلا في ضرورة الشعر وأنشد البيت ، وقال الجوهري : لا يقال { الاشر } إلا في لغة رديئة .