في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ} (4)

" والليل إذا يسر " . . والليل هنا مخلوق حي ، يسري في الكون ، وكأنه ساهر يجول في الظلام ! أو مسافر يختار السرى لرحلته البعيدة ! يا لأناقة التعبير ! ويا لأنس المشهد ! ويا لجمال النغم ! ويا للتناسق مع الفجر ، والليالي العشر . والشفع والوتر !

إنها ليست ألفاظا وعبارات . إنما هي أنسام من أنسام الفجر ، وأنداء مشعشعة بالعطر ! أم إنه النجاء الأليف للقلب ؟ والهمس اللطيف للروح ؟ واللمس الموحي للضمير ؟

إنه الجمال . . الجمال الحبيب الهامس اللطيف . الجمال الذي لا يدانيه جمال التصورات الشاعرية الطليقة . لأنه الجمال الإبداعي ، المعبر في الوقت ذاته عن حقيقة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ} (4)

وقوله : وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول : والليل إذا سار فذهب ، يقال منه : سرى فلان ليلاً يَسْرِي : إذا سار .

وقال بعضهم : عُنِي بقوله وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ ليلة جَمْع ، وهي ليلة المزدلفة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمر بن قيس ، عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزبير وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ حتى يُذْهِب بعضه بعضا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول : إذا ذهب .

حدثني محمد بن عُمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : إذا سار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : والليل إذا سار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول : إذا سار .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : إذا سار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : الليل إذا يسير .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرِمة وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : ليلة جمع .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الشام والعراق يَسْرِ بغير ياء . وقرأ ذلك جماعة من القرّاء بإثبات الياء وحذف الياء في ذلك أعجب إلينا ، ليوفق بين رؤوس الاَي إذ كانت بالراء . والعرب ربما أسقطت الياء في موضع الرفع مثل هذا ، اكتفاء بكسرة ما قبلها منها ، من ذلك قول الشاعر :

لَيْسَ تَخْفَى يَسارَتِي قَدْرَ يَوْمٍ *** وَلَقَدْ تُخْفِ شِيمَتِي إعْسارِي

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ} (4)

وسرى الليل ذهابه وانقراضه ، هذا قول الجمهور ، وقال ابن قتيبة والأخفش وغيره ، المعنى { إذا يسري } فيه فيخرج هذا الكلام مخرج ليل نائم ونهار بطال .

وقال مجاهد وعكرمة والكلبي : أراد بهذا ليلة جمع لأنه يسرى فيها ، وقرأ الجمهور : «يسر » دون ياء في وصل ووقف ، وقرأ ابن كثير : «يسري » بالياء في وصل ووقف ، وقرأ نافع وأبو عمرو بخلاف عنه «يسري » بباء في الوصل ودونها في الوقف وحذفها تخفيف لاعتدال رؤوس الآي إذ هي فواصل كالقوافي ، قال اليزيدي : الوصل في هذا وما أشبهه بالياء ، والوقف بغير ياء على خط المصحف .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ} (4)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

ابن كثير : قال مالك عن زيد بن أسلم ، { والليل إذا يسر } إذا سار . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

والليل إذا سار فذهب ... وقال بعضهم : عُنِي بقوله "وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ" ليلة جَمْع ، وهي ليلة المزدلفة ....

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معناه يسير ظلاما حتى ينقضي بالضياء المبتدئ، ففي تسييره على المقادير المرتبة ، ومجيئه بالضياء عند تقضيه في الفصول أدل دليل على أن فاعله يختص بالعز والاقتدار الذي يجل عن الاشباه والامثال . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وبعد ما أقسم بالليالي المخصوصة أقسم بالليل على العموم { إِذَا يَسْرِ } إذا يمضي ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وسرى الليل ذهابه وانقراضه ، هذا قول الجمهور...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أكثر المفسرين على أنه ليس المراد منه ليلة مخصوصة بل العموم بدليل قوله : { والليل إذا أسفر } { والليل إذا عسعس } ولأن نعمة الله بتعاقب الليل والنهار واختلاف مقاديرهما على الخلق عظيمة ، فصح أن يقسم به لأن فيه تنبيها على أن تعاقبهما بتدبيره مدبر حكيم عالم بجميع المعلومات .

الشعراوي – 1419هـ.

فهل الليل يسري، أم يُسرى فيه؟ إن الليل هو محل الإسراء، ولكن الحق سبحانه وتعالى كما جعل اللي يدبر ويقبل، والصبح يتنفس، فهذه مظاهر حياة، كذلك يقول: {والليل إذا يسر}، وكأن الليل له غاية ينتهي إليها، ويسير إلى هذه الغاية، فانتقل السُّرى من السير في الليل إلى نفس الليل، فكأن الليل له غاية، وهو يقطع فيها إلى أن ينتهي.

إذن.. فالحق سبحانه وتعالى يصور لنا المعاني تصوير الحياة، فيقو لنا: {والصبح إذا تنفس(18)} [التكوير]، وهل الصبح يتنفس، أم نحن الذين نتنفس؟! ولكنه إنما يعطي بالأمور المعنوية أموراً يصبغها بصبغة الحياة.

فعندنا مظهرية الحياة، الحركة وغيرها، وكل شيء فيه حياة بحسبه، أنت تفسر الحياة بقانونك أنت، والحياة في الحيوان بقانون الحيوان، وحياة النبات بقانون النبات، وكذلك الجماد، والمعاني، والأشياء، كلّ له حياة بقانونه.