الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ} (4)

{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } قال أكثر المفسّرين : يعني إذا سار فذهب ، وقال قتادة : إذا جاء وأقبل . قال مجاهد وعكرمة والكلبي : هي ليلة المزدلفة .

واختلف القرّاء في قوله : { يَسْرِ } فقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعيسى بالياء في الوصل ، وهي اختيار أبي حاتم ورواية قتيبة ونصير والشرياني عن الكسائي قال أبو عبيد : كان الكسائي فترة يقول : أثبت الياء بالوصل واحذفها في الوقف لمكان الكتاب ، ثمّ رجع إلى حذف الياء في الحالين جميعاً ؛ لأنّها رأس آية ، وهي قراءة ابن عامر وعاصم واختيار أبي عبيد اتباعاً للخط ، وقرأ ابن كثير ويعقوب الياء في الحالين على الأصل ، قال الخليل بن أحمد : أسقط الياء منه وفاقاً لرؤوس الآي .

وقال أكثر أهل المعاني : يعني يسري فيه كقولهم : ليلٌ نائم ونهارٌ صائم وسر كاتم .

قال الفراء : يحذف العرب الياء ويكتفي بكسر ما قبلها . أنشدني بعضهم :

كفّاك كفّ ما تلقي درهما *** جوداً وأُخرى تعط بالسيف الدما

وقال آخر :

ليس يخفى سادتي قدر قوم *** ولعل يخف سئمتي إعساري

وقال المؤرّخ : سألت الأخفش عن العلّة في سقوط الياء من يسر ، فقال : لا أُجيبك ما لم تبت على باب داري سنة . فبتُّ سنة على باب داره ثمّ سألته فقال : الليل لا يسري ، وانّما يُسرى فيه وهو مصروف فلمّا صرفه بخسه حظّه من الإعراب ، ألا ترى إلى قوله :

{ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } [ مريم : 28 ] ؟ ولم يقل بغية ؛ لأنّه صرّفه من باغية .