المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

20- فينفذ إلى ما في بطونهم فيذيبها كما يذيب جلودهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

ثم مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الإكرام والهوان ، في صورة واقع يشهد كأنه معروض للعيان :

هذا خصمان اختصموا في ربهم . فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ؛ ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها . وذوقوا عذاب الحريق . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .

إنه مشهد عنيف صاخب ، حافل بالحركة ، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير . فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده . .

هذه ثياب من النار تقطع وتفصل ! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس ، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس ! وهذه سياط من حديد أحمته النار . . وهذا هو العذاب يشتد ، ويتجاوز الطاقة ، فيهب ( الذين كفروا )من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا( الغم )وها هم أولاء يردون بعنف ، ويسمعون التأنيب : ( وذوقوا عذاب الحريق ) . .

ويظل الخيال يكرر هذه المشاهد من أولى حلقاتها إلى أخراها ، حتى يصل إلى حلقة محاولة الخروج والرد العنيف ، ليبدأ في العرض من جديد !

ولا يبارح الخيال هذا المشهد العنيف المتجدد إلا أن يلتفت إلى الجانب الآخر ، الذي يستطرد السياق إلى عرضه . فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم . فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة ! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار . وملابسهم لم تقطع من النار ، إنما فصلت من الحرير . ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ . وقد هداهم الله إلى الطيب من القول ، وهداهم إلى صراط الحميد . فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق . . والهداية إلى الطيب من القول ، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم . نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق .

وتلك عاقبة الخصام في الله . فهذا فريق وذلك فريق . . فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات ، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

وقوله : يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ يقول : يذاب بالحميم الذي يصبّ من فوق رؤسهم ما في بطونهم من الشحوم ، وتشوى جلودهم منه فتتساقط . والصهر : هو الإذابة ، يقال منه : صهرت الألية بالنار : إذا أذبتها أصهرها صهرا ومنه قول الشاعر .

تَرْوِي لَقًى أُلِقيَ في صَفْصَفٍ *** تَصْهَرُهُ الشّمْسُ وَلا يَنْصَهِرْ

ومنه قول الراجز : .

*** شَكّ السّفافِيدِ الشّوَاءَ المُصْطَهَرْ ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يُصْهَرُ بِهِ قال : يُذاب إذابة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

قال ابن جُرَيج يُصْهَرُ بِهِ : قال : ما قطع لهم من العذاب .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ قال : يُذاب به ما في بطونهم .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فالّذينَ كَفَرُوا قُطّعَتْ لَهُمْ ثيابٌ منْ نارٍ . . . إلى قوله : يُصْهَرُ بهِ ما في بُطُونِهِمْ والجُلُودُ يقول : يسقون ما إذا دخل بطونهم أذابها والجلود مع البطون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر وهارون بن عنترة ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال هارون : إذا عام أهل النار وقال جعفرٍ : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فيأكلون منها ، فاختلست جلود وجوههم ، فلو أن مارّا مرّ بهم يعرفهم يعرف جلود وجوههم فيها ، ثم يصبّ عليهم العطش ، فيستغيثوا ، فيُغاثوا بماء كالمُهل ، وهو الذي قد انتهى حرّه ، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود و يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهمْ يعني أمعاءهم ، وتساقط جلودهم ، ثم يضربون بمقامع من حديد ، فيسقط كل عضو على حاله ، يدعون بالويل والثبور .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُصۡهَرُ بِهِۦ مَا فِي بُطُونِهِمۡ وَٱلۡجُلُودُ} (20)

و { يصهر } معناه يذاب ، وقيل معناه يعصر وهذه العبارة قلقة ، وقيل معناه ينضج ومنه قول الشاعر «تصهره الشمس ولا ينصهر »{[8332]} وإنما يشبه فيمن قال يعصر .

أنه أراد الحميم يهبط كل ما يلقى في الجوف ويكشطه ويسلته ، وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسلته ويبلغ به قدميه ويذيبه ، ثم يعاد كما كان{[8333]} ، وقرأ الجمهور «يصهر » وقرأت فرقة «يصَهّر » بفتح الضاد وشد الهاء .


[8332]:هذا عجز بيت قاله ابن أحمر يصف فرخ قطاة، والبيت بتمامه: تروي لقى ألقي في صفصف تصهره الشمس فما ينصهر وهو في اللسان (صهر) كما أثبتناه، وفي الطبري "ولا ينصهر" كما ذكره المؤلف. وتروي معناه: تسقي، أي: تسوق إليه الماء فتصير له كالرواية، يقال: رويت أهلي وعليهم إذا أتيتهم بالماء، واللقى: كل شيء مطروح متروك ملقى على الأرض لهوانه، والصفصف: الأرض الملساة المستوية. والصهر: إذابة الشحم، يقال: صهر الشحم يصهره صهرا: أذابه.
[8333]:أخرجه عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد"، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في "الحلية"، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه أنه تلا هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدمه ـ وهو الصهر ـ ثم يعاد كما كان).