المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

43- وهذا يا مريم يستوجب منك الشكر لربك ، فالزمي طاعته ، وصلى له ، وشاركي الذين يعبدونه ويصلون له .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

33

( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) . .

طاعة وعبادة ، وخشوع وركوع ، وحياة موصولة بالله تمهيدا للأمر العظيم الخطير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَمَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ }

يعني جلّ ثناؤه بقوله خبرا عن قيل ملائكته لمريم : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكَ } أخلصي الطاعة لربك وحده . وقد دللنا على معنى القنوت بشواهده فيما مضى قبل .

واختلاف بين أهل التأويل فيه في هذا الموضع نحو اختلافهم فيه هنالك ، وسنذكر قول بعضهم أيضا في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معنى «اقنتي » : أطيلي الركود . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : أطيلي الركود ، يعني : القنوت .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج { اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : قال مجاهد : أطيلي الركود في الصلاة ، يعني : القنوت .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : لما قيل لها : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قامت حتى ورم كعباها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : لما قيل لها : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قامت حتى ورمت قدماها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن مجاهد : { اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : أطيلي الركود .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : القنوت : الركود ، يقول : قومي لربك في الصلاة ، يقول : اركدي لربك ، أي انتصبي له في الصلاة ، واسجدي واركعي مع الراكعين .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : كانت تصلي حتى تورم قدماها .

حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا الأوزاعي : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : كانت تقوم حتى يسيل القيح من قدميها .

وقال آخرون : معناه : أخلصي لربك . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد : { يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : أخلصي لربك .

وقال آخرون : معناه : أطيعي ربك . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : أطيعي ربك .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { اقْنُتِي لِرَبكِ } أطيعي ربك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «كُلّ حَرْفٍ يُذْكَرُ فِيهِ القُنُوتُ مِنَ القُرْآنِ ، فَهُوَ طاعَةٌ لِلّهِ » .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، في قوله : { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ } قال : يقول : اعبدي ربك .

قال أبو جعفر : وقد بينا أيضا معنى الركوع والسجود بالأدلة الدالة على صحته ، وأنهما بمعنى الخشوع لله والخضوع له بالطاعة والعبودية .

فتأويل الاَية إذا : يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا ، واخشعي لطاعته وعبادته ، مع من خشع له من خلقه ، شكرا له على ما أكرمك به من الاصطفاء والتّطهير من الأدناس والتفضيل على نساء عالم دهرك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

و{ اقنتي } معناه اعبدي وأطيعي ، قاله قتادة والحسن ، وروى أبو سعيد الخدري ، عن النبي عليه السلام قال :< كل قنوت في القرآن فهو بمعنى طاعة الله{[3167]}> ويحتمل أن يكون معناه ، أطيلي القيام في الصلاة ، وهذا هو قول الجمهور ، وهو المناسب في المعنى لقوله : { واسجدي واركعي } وبه قال مجاهد ، وابن جريج ، والربيع وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا ، قامت حتى ورمت قدماها{[3168]} ، وروى الأوزاعي ، أنها قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها ، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها ، تظنها جماداً لسكونها في طول قيامها ، وقال سعيد بن جبير ، { اقنتي لربك } ، معناه أخلصي لربك ، واختلف المتأولون ، لم قدم السجود على الركوع ؟ فقال قوم : كان ذلك في شرع زكرياء وغيره منهم وقال قوم : الواو لا تعطي رتبة ، وإنما المعنى ، افعلي هذا وهذا ، وقد علم تقديم الركوع ، وهذه الآية أكثر إشكالاً من قولنا ، قام زيد وعمرو ، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة ، وهذه الآية قد علم أن السجود بعد الركوع ، فكيف جاءت الواو بعكس ذلك{[3169]} ، فالقول عندي في ذلك ، أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة ، وهما طول القيام والسجود ، وخصا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة ، وإذا العبد يقرب في وقت سجوده من الله تعالى : وهذان يختصان بصلاتها مفردة ، وإلا فيمن يصلي وراء إمام ، فليس يقال له أطل قيامك ، ثم أمرت -بعد - بالصلاة في الجماعة ، فقيل لها ، { واركعي مع الراكعين } وقصد هنا معلم من معالم الصلاة ، لئلا يتكرر لفظ ، ولم يرد بالآية السجود والركوع ، الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم .


[3167]:- أخرجه الإمام أحمد، وأبو يعلى في مسنده، وابن حبان، وابن أبي حاتم، وابن جرير عن أبي سعيد الخدري بلفظ: (كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة). "الجامع الصغير" 2/235. وابن كثير.
[3168]:- أخرجه ابن جرير في تفسيره. 3/265.
[3169]:- ذكر أبو حيان هذا الكلام عن ابن عطية، ثم قال: "وهذا كلام من لم يمعن النظر في كتاب سيبويه، فإن سيبويه ذكر أن الواو يكون معها في العطف المعية، وتقديم السابق وتقديم اللاحق يحتمل ذلك احتمالات سواء فلا يترجح أحد الاحتمالات على الآخر، ولا التفات لقول بعض المتأخرين في ترجيح المعية على تقديم السابق" البحر المحيط 2/457.