فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

( يا مريم اقنتي لربك ) أي أطيلي القيام في الصلاة أو ادعيه ودومي على طاعته بأنواع الطاعات ، وقد تقدم الكلام في معاني القنوت ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) أي صلي مع المصلين ، أطلق الجزء وأراد الكل وقدم السجود على الركوع لكونه أفضل أو لكون صلاتهم لا ترتيب فيها مع كون الواو لمجرد الجمع بلا ترتيب ، والظاهر أن ركوعها مع ركوعهم فيدل على مشروعية صلاة الجماعة ، وقيل المعنى أنها تفعل كفعلهم وإن لم تصل معهم ، قال الأوزاعي لما قالت الملائكة لها ذلك شفاها قامت حتى تورمت قدماها وسالت دما وقيحا ، وحكي عن مجاهد نحوه .

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد{[321]} " وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أفضل نساء العالمين خديجة وفاطمة ومريم وآسية امرأة فرعون{[322]} " .

وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام{[323]} . "

وفي المعنى أحاديث كثيرة تفيد أن مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها لا نساء العالم ، ويؤيد ما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " أربع نسوة سادات نساء عالمهن مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وأفضلهن عالما فاطمة " .


[321]:مسلم 2430، ا لبخاري1602.
[322]:كتاب التاريخ2/594.
[323]:مسلم 2431، البخاري1606.