محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

43

( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين43 ) .

( يا مريم اقنتي لربك ) أي اعبديه شكرا على اصطفائه ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) أي لتزدادي بكثرة السجود والصلاة قربا . قال البقاعي : الظاهر أن المراد بالسجود هنا ظاهره ، وبالركوع الصلاة نفسها ، فكأنه قيل : واسجدي مصلية ، ولتكن صلاتك مع المصلين ، أي في جماعة ، فإنك في عداد الرجال لما خصصت به من الكمال . ثم قال : وإنما قلت هذا لأني تتبعت التوراة فلم أره ذكر فيها الركوع في صلاة إبراهيم ولا من بعده من الأنبياء عليهم السلام ، ولا أتباعهم إلا في موضع واحد ، لا يحسن جعله فيه على ظاهره . ورأيته ذكر الصلاة فيها على ثلاثة أنحاء :

الأول- إطلاق لفظها من غير بيان كيفية ،

والثاني- إطلاق لفظ السجود مجردا ،

والثالث- إطلاقه مقرونا بركوع أو حبو أو خرور على الوجه ، ونحو ذلك .

ثم ساق البقاعي ما وقع من النصوص في ذلك . وقال بعد : فالذي فهمته من هذه الأماكن وغيرها أن الصلاة عندهم تطلق على الدعاء وعلى فعل هو مجرد السجود ، فإن ذكر معه ما يدل على وضع الوجه على الأرض فذاك ، وحينئذ يسمى صلاة . وإلا كان المراد به مطلق الانحناء للتعظيم . وذلك موافق للغة ، قال في ( القاموس ) : سجد خضع ، والخضوع التطامن ، وأما المكان الذي ذكر فيه الركوع فالظاهر أن معناه فعل الشعب كله ساجدا لله ، لأن الركوع يطلق في اللغة على معان ، منها الصلاة يقال : ركع أي صلى ، وركع إذا انحنى كثيرا ، ولا يصح حمل الركوع على ظاهره لأنه لا يمكن في حال السجود ، وإن ارتكب فيه تأويل لم يكن تأويل مما ذكرته / في الركوع- والله أعلم- واحتججت باللغة لأن مترجم نسخة التوراة ، التي وقعت لي ، في عداد البلغاء ، يعرف ذلك من تأمل مواقع ترجمته لها . على أني سألت عن صلاة اليهود الآن فأخبرت أنه ليس فيها ركوع ، ثم رأيت البغوي صرح في قوله تعالى : ( واركعوا مع الراكعين ) بأن صلاتهم لا ركوع فيها ، وكذا ابن عطية وغيرهما . انتهى كلام البقاعي .

لطيفة :

قال السيوطي في ( الإكليل ) : في الآية دليل على أن الجماعة مطلوبة في الصلاة ، وعلى أن المرأة تندب لها الجماعة .