غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّـٰكِعِينَ} (43)

فقوله : { اقنتي } أمر بالعبادة على العموم { واسجدي } أمر بالصلاة تسمية للشيء بمعظم أركانه كما في قوله { أدبار السجود }[ ق : 4 ] وفي الخبر " إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين " ولا ريب أن السجود أشرف الأركان لقوله صلى الله عليه وسلم " أقرب ما يكون العبد من الله تعالى وهو ساجد " ثم قال : { واركعي مع الراكعين } فالأول أمر بالصلاة مطلقاً ، والثاني أمر بالصلاة في الجماعة . وإنما عبر عن الصلاة ههنا بالركوع إما لتغيير العبارة وقد يسمى الشيء بأحد أركانه ، وإما تسمية للشيء بمعظم أركانه بناء على ما قيل إن الركوع أفضل من السجود ، لأن الراكع حامل نفسه في الركوع فالمشقة فيه أكثر ، وللتمييز عن صلاة اليهود . وقيل : اركعي مع الراكعين أمر بالخضوع والخشوع بالقلب ، ويحتمل أن يراد بقوله : { اقنتي } الأمر بالصلاة لأن القنوت أحد أجزائها ، وأن يراد بقوله : { واسجدي واركعي } استعمال كل منهما في وقته اللائق به ، والواو تفيد التشريك لا الترتيب ، أو المراد انظمي نفسك في جملة المصلين وكوني في عدادهم لا في عداد غيرهم . وإنما لم يقل مع الراكعات إما للتغليب وإما لأن الاقتداء بالرجل حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء . روي أن مريم بعد ذلك قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسال الدم والقيح منهما . اللهم لا تؤاخذنا باسم الرجولية ونحن أقل في خدمتك من إحدى النساء .

/خ60