ثم هم بعد ذلك يستنكرون على أنفسهم أن يعوقهم معوق عن الإيمان بالله ؛ أو أن يسمعوا هذا الحق ثم لايؤمنوا به ، ولا يأملوا - بهذا الإيمان - أن يقبلهم ربهم ، ويرفع مقامهم عنده ، فيدخلهم مع القوم الصالحين : ( وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ، ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ؟ ) . .
فهو موقف صريح قاطع تجاه ما أنزل الله إلى رسوله من الحق . . موقف الاستماع والمعرفة ، ثم التأثر الغامر والإيمان الجاهر ، ثم الإسلام والانضمام إلى الأمة المسلمة ، مع دعاء الله - سبحانه - أن يجعلهم من الشاهدين لهذا الحق ؛ الذين يؤدون شهادتهم سلوكا وعملا وجهادا لإقراره في الأرض ، والتمكين له في حياة الناس ثم وضوح الطريق ففي تقديرهم وتوحده ؛ بحيث لا يعودون يرون أنه يجوز لهم أن يمضوا إلا في طريق واحد : هو طريق الإيمان بالله ، وبالحق الذي أنزله على رسوله ، والأمل - بعد ذلك - في القبول عنده والرضوان .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ } . .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من كتابه ، آمنوا به وصدّقوا كتاب الله ، وقالوا : ما لنا لا نؤمن بالله ؟ يقول : لا نقرّ بوحدانية الله وما جَاءَنا مِنَ الحَقّ ، يقول : وما جاءنا من عند الله من كتابه وآي تنزيله ، ونحن نطمع بإيماننا بذلك أنْ يُدْخِلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِحِينَ يعني بالقوم الصالحين : المؤمنين بالله المطيعين له ، الذين استحقوا من الله الجنة بطاعتهم إياه . وإنما معنى ذلك : ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته مداخلهم من جنته يوم القيامة ، ويلحق منازلنا بمنازلهم ودرجاتنا بدرجاتهم في جناته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وَما لَنا لا نُؤْمِنُ باللّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقّ وَنَطْمَعُ أنْ يُدْخِلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِحِينَ " قال : «القَوْم الصالحون » : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
{ وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين } استفهام إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام الداعي وهو الطمع في الانخراط مع الصالحين ، والدخول في مداخلهم أو جواب سائل قال لم أمنتم ؟ و{ لا نؤمن } حال من الضمير والعامل ما في اللام من معنى الفعل ، أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين بالله ، أي بوحدانيته فإنهم كانوا مثلثين . أو بكتابه ورسوله فإن الإيمان بهما إيمان به حقيقة وذكره توطئه وتعظيما ، ونطمع عطف على نؤمن أو خبر محذوف ، والواو للحال أي ونحن نطمع والعامل فيها عامل الأولى مقيدا بها أو نؤمن .
قولهم { وما لنا } توقيف لأنفسهم أو محاجة لمن عارضهم من الكفار بأن قال لهم آمنتم وعجلتم . فقالوا وأي شيء يصدنا عن الإيمان وقد لاح الصواب وجاء الحق المنير { وما لنا } ابتداء وخبر ، و { لا نؤمن } في موضع الحال ، ولكنها حال هي المقصد وفيها الفائدة : كما تقول جاء زيد راكباً وأنت قد سئلت هل جاء ماشياً أو راكباً . وفي مصحف ابن مسعود «وما لنا لا نؤمن بالله وما أنزل إلينا ربنا » . { ونطمع } تقديره ونحن نطمع . فالواو عاطفة جملة على الجملة لا عاطفة فعل على فعل و «القوم الصالحون » محمد وأصحابه ، قاله ابن زيد وغيره من المفسرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.