المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

77- أجحد الإنسان وجود الله وقدرته . ولم ير أنا خلقناه - بعد العدم - من نطفة مهينة ؟ فإذا هو شديد الخصومة ، مبين لها ، معلن عنها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

{ 77 - 83 } { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ }

هذه الآيات الكريمات ، فيها [ ذكر ] شبهة منكري البعث ، والجواب عنها بأتم جواب وأحسنه وأوضحه ، فقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ } المنكر للبعث و الشاك فيه ، أمرا يفيده اليقين التام بوقوعه ، وهو ابتداء خلقه { مِنْ نُطْفَةٍ } ثم تنقله في الأطوار شيئا فشيئا ، حتى كبر وشب ، وتم عقله واستتب ، { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } بعد أن كان ابتداء خلقه من نطفة ، فلينظر التفاوت بين هاتين الحالتين ، وليعلم أن الذي أنشأه من العدم ، قادر على أن يعيده بعد ما تفرق وتمزق ، من باب أولى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

قال مجاهد ، وعِكْرِمَة ، وعروة بن الزبير ، والسُّدِّي . وقتادة : جاء أُبي بن خلف [ لعنه الله ]{[24868]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم وهو يُفَتِّتُه ويذريه{[24869]} في الهواء ، وهو يقول : يا محمد ، أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ فقال : «نعم ، يميتك الله تعالى ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار » . ونزلت هذه الآيات من آخر " يس " : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ } ، إلى آخرهن .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا عثمان بن سعيد الزيات ، عن هُشَيْم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير{[24870]} ، عن ابن عباس ، أن العاصى{[24871]} بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففتَّه بيده ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيحيي الله هذا بعد ما أرى ؟{[24872]} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم ، يميتك الله ثم يحييك ، ثم يدخلك جهنم » . قال : ونزلت الآيات من آخر " يس " .

ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم ، عن هُشَيْمٍ ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، فذكره ولم يذكر " ابن عباس " {[24873]} .

وروي من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : جاء عبد الله بن أبي بعظم ففَتَّه وذكر نحو ما تقدم .

وهذا منكر ؛ لأن السورة مكية ، وعبد الله بن أبي بن سلول إنما كان بالمدينة . وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أُبي بن خلف ، أو [ في ]{[24874]} العاص [ بن وائل ] ، {[24875]} أو فيهما ، فهي عامة في كل مَنْ أنكر البعث . والألف واللام في قوله : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ } للجنس ، يعم كل{[24876]} منكر للبعث .

{ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } أي : أولم يستدل مَنْ أنكر البعث بالبدء على الإعادة ، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين ، كما قال تعالى : { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ } [ المرسلات : 20 - 22 ] . وقال { إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } [ الإنسان : 2 ] أي : من نطفة من أخلاط متفرقة ، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ كما قال {[24877]} الإمام أحمد في مسنده :

حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا حَريز ، حدثني عبد الرحمن بن مَيْسَرة ، عن جُبَيْر بن نفير ، عن بُسْر ابن جَحَّاش ؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَصق يوما في كفِّه ، فوضع عليها أصبعه ، ثم قال : «قال الله تعالى : ابن آدم ، أنَّى تُعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سَوَّيتك وعَدَلتك ، مشيت بين بردَيك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بَلَغَت التراقي قلت : أتصدقُ وأنَّى أوان الصدقة ؟ » . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، عن جَرير بن عثمان ، به{[24878]} . ولهذا قال : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } ؟


[24868]:- زيادة من س، أ.
[24869]:- في أ : "ويذروه".
[24870]:- في ت : "وروى ابن أبي حاتم بسنده".
[24871]:- في ت، س، أ : "العاص".
[24872]:- في أ : "أرم".
[24873]:- تفسير الطبري (23/21).
[24874]:- زيادة من أ.
[24875]:- زيادة من س.
[24876]:- في س : "لكل".
[24877]:- في ت : "كما روى".
[24878]:- المسند (4/310) وسنن ابن ماجه برقم (2707) وقال البوصيري في الزوائد (2/364) : "إسناد حديثه صحيح ورجاله ثقات".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

هذه الآية قال فيها ابن جبير : إنها نزلت بسبب أن المعاصي بن وائل السهمي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم ففته وقال : يا محمد من يحيي هذا ؟ وقال مجاهد وقتادة : إن الذي جاء بالعظم النخر أمية بن خلف ، وقاله الحسن ذكره الرماني ، وقال ابن عباس : الجائي بالعظم هو عبد الله بن أبي ابن سلول .

قال القاضي أبو محمد : وهو وهم ممن نسبه إلى ابن عباس لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة ، واسم أبي هو الذي خلط على الرواة ، لأن الصحيح هو ما رواه ابن وهب عن مالك ، وقاله ابن إسحاق وغيره ، من أن أبي بن خلف أخا أمية بن خلف هو الذي جاء بالعظم الرميم بمكة ففته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وحياله ، وقال من يحيى هذا يا محمد ؟ ولأبي مع النبي صلى الله عليه وسلم مقامات ومقالات إلى أن قتله يوم أحد بيده بالحربة بجرح في عنقه ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي حين فت العظم «الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم »{[9821]} ثم نزلت الآية مبينة ومقيمة للحجة في أن الإنسان نطفة ثم يكون بعد ذلك خصيماً مبيناً هل هذا إلا إحياء بعد موت وعدم حياة ، وقوله { ونسي } يحتمل أن يكون نسيان الذهول ويحتمل أن يكون نسيان الترك ، و «الرميم » البالي المتفتت ، وهو الرفات .


[9821]:أخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في البعث، عن أبي مالك، قال: جاء أُبيّ بن خلف بعظم نخرة فجعل يفته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ فأنزل الله:{أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} إلى قوله:{وهو بكل خلق عليم}. وأخرج مثله عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه، وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن السدي رضي الله عنه، وكذلك أخرج عن عكرمة مثله، وأخرج أيضا ابن مردويه مثله عن السدي رضي الله عنه، وكذلك أخرج عن عكرمة مثله، وأخرج أيضا ابن مردويه مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يبعث الله هذا ويميتك ثم يدخلك جهنم).(الدر المنثور).