المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

38- وإن باب الرجاء مفتوح مع هذا الترهيب ، فقل - يا نبي الرحمة - لهؤلاء الجاحدين : إنهم إن ينتهوا عن العناد والإشراك فإن الله يغفر لهم ما سبق من أعمالهم . وإن استمروا على ضلالهم وعادوا إلى قتالكم فقد تقررت الطريقة الحقة في الأولين ، وهي نصر الحق على الباطل إن التزم أهل الحق الطاعة وسبيل النصر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

38 - 40 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ

هذا من لطفه تعالى بعباده لا يمنعه كفر العباد ولا استمرارهم في العناد ، من أن يدعوهم إلى طريق الرشاد والهدى ، وينهاهم عما يهلكهم من أسباب الغي والردى ، فقال : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا عن كفرهم وذلك بالإسلام للّه وحده لا شريك له .

يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ منهم من الجرائم وَإِنْ يَعُودُوا إلى كفرهم وعنادهم فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ بإهلاك الأمم المكذبة ، فلينتظروا ما حل بالمعاندين ، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ، فهذا خطابه للمكذبين ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

30

وعندما يصل السياق إلى هذا التقرير الحاسم ، عن مصير الكفر المتعاون ، ونهاية الخبث المتراكم ، يتجه بالخطاب إلى رسول الله [ ص ] لينذر الكافرين إنذاره الأخير ، ويتجه بالخطاب كذلك إلى الجبهة المسلمة يأمرها بالقتال حتى لا تكون في الأرض فتنة ، وحتى يكون الدين كله لله ، ويطمئن العصبة المسلمة المجاهدة إلى أن الله مولاها ونصيرها ، فلا غالب لها من الناس بحرب ولا بكيد ، والله وليها الناصر المعين :

( قل للذين كفروا : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين . وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير . وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم ، نعم المولى ونعم النصير ) . .

قل للذين كفروا - في ضوء ما سبق من قرار الخالق الجبار عن خيبتهم في جمعهم ، وحسرتهم على ما أنفقوا ، وصيرورتهم بعد الخزي والحسرة في الدنيا إلى أن يراكم الخبيث منهم على الخبيث فيجعل الخبيث كله في جهنم .

( قل للذين كفروا : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين )

فالفرصة أمامهم سانحة لينتهوا عما هم فيه من الكفر ، ومن التجمع لحرب الإسلام وأهله ، ومن إنفاق الأموال للصد عن سبيل الله . . والطريق أمامهم مفتوح ليتوبوا عن هذا كله ويرجعوا إلى الله ، ولهم عندئذ أن يغفر لهم ما قد سلف . فالإسلام يجب ما قبله ، ويدخله الإنسان بريئاً من كل ما كان قبله كما ولدته أمه . . فأما إن هم عادوا - بعد هذا البيان - إلى ما هم فيه من الكفر والعدوان فإن سنة الله في الأولين لا تتخلف . ولقد مضت سنة الله أن يعذب المكذبين بعد التبليغ والتبيين ؛ وأن يرزق أولياءه النصر والعز والتمكين . . وهذه السنة ماضية لا تتخلف . . وللذين كفروا أن يختاروا وهم على مفرق الطريق !

بذلك ينتهي الحديث مع الذين كفروا ويتجه السياق إلى الذين آمنوا :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

وقوله { قل للذين كفروا } الآية ، أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار هذا المعنى الذي تضمنه ألفاظ قوله { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وسواء قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبارة أو غيرها ، ولو كان الكلام كما ذكر الكسائي أنه في مصحف ابن مسعود «قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لكم » لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها ، هذا بحسب ما تقتضيه الألفاظ ، وقوله { إن ينتهوا } يريد به عن الكفر ولا بد ، والحامل على ذلك جواب الشرط ب { يغفر بهم ما قد سلف } ، ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنتهٍ عن الكفر ، وقوله { إن يعودوا } يريد به إلى القتال لأن لفظة عاد يعود إذا جاءت مطلقة فإنما تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان الإنسان عليها ثم تنقَّل عنها .

ولسنا نجد في هذه الآية لهؤلاء الكفار حالة تشبه ما ذكرنا إلا القتال ، ولا يصح أن يتأول { وإن يعودوا } إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه وإنما قلنا في عاد إذا كانت مطلقة لأنها قد تجيء في كلام العرب داخلة على الابتداء والخبر بمنزلة صار ، وذلك كما تقول عاد زيد ملكاً تريد صار ، ومنه قول أبي الصلت :

تلك المكارم لا قعبان من لبن*** شبيبا بماء فعادا بعد أبوالا{[5346]}

وهذه لا تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان العائد عليها قبل ، لكنها مقيدة بخبرها لا يجوز الاقتصار دونه ، فحكمها حكم صار ، وقوله { فقد مضت سنة الأولين } عبارة بجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله حين صد في وجه نبيه وبمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام والشرع ، والمعنى قد رأيتم وسمعتم عن الأمم ما حل .

قال القاضي أبو محمد : والتخويف عليهم بقصة بدر أشد إذ هي القريبة منهم والمعاينة عندهم ، وعليها نص ابن إسحاق والسدي .


[5346]:- سبق الاستشهاد بهذا البيت في سورة الأعراف عند تفسير قوله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعوذن في ملتنا} راجع ص (3) من هذا الجزء.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

جرى هذا الكلام على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب ، والوعيد بالوعد ، والعكس ، فأنذرهم بما أنذر ، وتَوعّدَهم بما توعد ثم ذكّرهم بأنهم متمكنون من التدارك وإصلاح ما أفسدوا ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ما يفتح لهم باب الإنابة .

والجملة استيناف يصح جعله بيانياً لأن ما تقدم بين يديه من الوعيد وقلة الاكتراث بشأنهم ، وذكر خيبة مساعيهم ، مما يثير في أنفُس بعضَهم والسامعين أن يتساءلوا عما إذا بقي لهم مخلص ينجيهم من ورطتهم التي ارتبقوا فيها ، فأمر الرسول بأن يقول لهم هذا المقال ليريهم أن باب التوبة مفتوح ، والإقلاع في مكنتهم .

وأسند الفعل في الجملة المحكية بالقول إلى ضمير الغائبين لأنه حكاية بالمعنى روعي فيها جانب المخاطب بالأمر تنبيهاً على أنه ليس حَظه مجرد تبليغ مقالة ، فجُعل حَظه حظ لمخبر بالقضية الذي يُراد تقررها لديه قبل تبليغها ، وهو إذا بلغ إليهم يبلغ إليهم ما أعلم به وبُلغ إليه ، فيكون مخبراً بخبر وليس مجرد حامل لرسالة .

والمراد بالانتهاء : الانتهاء عن شيء معلوم دَل عليه وصف الكفر هنا وما تقدمه من أمثاله وآثاره من الانفاق للصد عن سبيل الله ، أي إن ينتهوا عن ذلك ، وإنما يكون الانتهاء عن ذلك كله بالإيمان .

و { ما قد سلف } هو ما أسلفوه من الكفر وآثاره ، وهذا ، وإن كان قضية خاصة بالمشركين المخاطبين ، فهو شامل كل كافر لتساوي الحال .

ولفظ الغفران حقيقة شرعية في العفو عن جزاء الذنوب في الآخرة ، وذلك مهيع الآية فهو معلوم منها بالقصد الأول لا محالة ، ويلحق به هنا عذاب الله في الدنيا لقوله : { فقد مضت سنة الأولين } .

وَاستنبط أيمتنا من هذه الآية أحكاماً للأفعال والتبعات التي قد تصدر من الكافر في حال كفره فإذا هو أسلم قبل أن يؤاخذ بها هل يُسقط عنه إسلامُه التبعات بها .

وذلك يرجع إلى ما استقريته وأصّلته في دلالة آي القرآن على ما يصح أن تدل عليه ألفاظها وتراكيبها في المقدمة التاسعة من هذا التفسير ، فروى ابن العربي في « الأحكام » أن ابن القاسم ، وأشهب ، وابن وهب ، رووا عن مالك في هذه الآية : أن من طلّق في الشرك ثم أسلم فلا طلاق عليه ، ومن حلف يميناً ثم أسلم فلا حنث عليه فيها ، وروى عن مالك : إنما يعني عز وجل ما قد مضى قبل الإسلام من مال أو دم أو شيء ، قال ابن العربي وهو الصواب لعموم قوله : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ، وإن ابن القاسم ، وابن وهب ، رويا عن مالك أن الكافر إذا افترى على مسلم أو سرق ثم أسلم يقام عليه الحد ، ولو زنى ثم أسلم أو اغتصب مسلمة ثم أسلم لسقط عنه الحد تفرقة بين ما كان حقاً لله محْضاً وما كان فيه حق للناس .

وذكر القرطبي عن ابن المنذر : أنه حكى مثل ذلك عن الشافعي ، وأنه احتج بهذه الآية ، وفي « المدونة » تسقط عنه الحدود كلها .

وذكر في « الكشاف » عن أبي حنيفة أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة ، وأما الذميّ فلا يلزمه قضاء حقوق الله وتبقى عليه حقوق الآدميين ، واحتج بهذه الآية ، وفي كتب الفتوى لعلماء الحنفية بعض مخالفة لهذا ، وحَكوا في المرتد إذا تاب وعاد إلى الإسلام أنه لا يلزمه قضاء ما فَاته من الصلاة ولا غرْم ما أصاب من جنايات ومتلفات . وعن الشافعي يلزم ذلك كله وهو ما نسبه ابن العربي إلى الشافعي بخلاف ما نسبه إليه ابن المنذر كما تقدم وعن أبي حنيفة يسقط عنه كل حق هو لله ولا يسقط عنه حق الناس وحجة الجميع هذه الآية تعميماً وتخصيصاً بمخصصات أخرى .

وفي قوله تعالى : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } مُحسَن بديعي وهو الاتزان لأنه في ميزان الرجز .

والمراد بالعَود الرجوع إلى ما هم فيه من مناوأة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، والتجهز لحربهم ، مثل صنعهم يوم بدر ، وليس المراد عودهم إلى الكفر بعد الانتهاء لأن مقابلته بقوله : { إن ينتهوا } تقتضي أنه ترديد بين حالتين لبيان ما يترتب على كل واحدة منهما وهذا كقول العرب بعضهم لبعض : « أسلِمْ أنتَ أم حرب » ولأن الذين كفروا لما يفارقوا الكفَر بعدُ فلا يكون المراد بالعود عودَهم إلى الكفر بعد أن يسلموا .

والسنة العادة المألوفة والسيرة . وقد تقدم في قوله تعالى : { قد خلت من قبلكم سنن } في [ آل عمران : 137 ] .

ومعنى { مضت } تقدمت وعَرَفَها الناس .

وهذا الخبر تعريض بالوعيد بأنهم سيلقون ما لقيه الأولون ، والقرينةُ على إرادة التعريض بالوعيد أن ظاهر الإخبار بمضي سنة الأولين ، وهو من الإخبار بشيء معلوم للمخبَرين به ، وبهذا الاعتبار حسن تأكيده بقدْ إذ المراد تأكيد المعنى التعريضي .

وبهذا الاعتبار صح وقوع قوله : { فقد مضت سنة الأولين } جزاء للشرط . ولولا ذلك لما كان بين الشرط وجوابه ملازمة في شيء .

والأولون : السابقون المتقدمون في حالة ، والمراد هنا الأمم التي سبقت وعرفوا أخبارهم أنهم كذبوا رسل الله فلقوا عذاب الاستيصال مثل عاد وثمود قال تعالى : { فهل يَنظرون إلاّ سُنّة الأولين } [ فاطر : 43 ] .

ويجوز أن المراد بالأولين أيضاً السابقون للمخاطبين من قومهم من أهل مكة الذين استأصلهم السيف يوم بدر ، وفي كل أولئك عبرة للحاضرين الباقين ، وتهديد بأن يصيروا مصيرهم .