المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ} (132)

132- ولكل عامل خير أو عامل شر درجاته من جزاء ما يعمله ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، والله سبحانه وهو الخالق البارئ غير غافل عما يعملون ، بل إن عملهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ} (132)

{ وَلِكُلٍّ } منهم { دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا } بحسب أعمالهم ، لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره ، ولا التابع كالمتبوع ، ولا المرءوس كالرئيس ، كما أن أهل الثواب والجنة وإن اشتركوا في الربح والفلاح ودخول الجنة ، فإن بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله ، مع أنهم كلهم ، قد رضوا بما آتاهم مولاهم ، وقنعوا بما حباهم .

فنسأله تعالى أن يجعلنا من أهل الفردوس الأعلى ، التي أعدها الله للمقربين من عباده ، والمصطفين من خلقه ، وأهل الصفوة من أهل وداده .

{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } فيجازي كلا بحسب علمه ، وبما يعلمه من مقصده ، وإنما أمر الله العباد بالأعمال الصالحة ، ونهاهم عن الأعمال السيئة ، رحمة بهم ، وقصدا لمصالحهم . وإلا فهو الغني بذاته ، عن جميع مخلوقاته ، فلا تنفعه طاعة الطائعين ، كما لا تضره معصية العاصين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ} (132)

128

ثم يقرر السياق حقيقة أخرى في شأن الجزاء . . للمؤمنين وللشياطين سواء :

( ولكل درجات مما عملوا . وما ربك بغافل عما يعملون ) . .

فللمؤمنين درجات : درجة فوق درجة . وللشياطين درجات : درجة تحت درجة ! وفق الأعمال . والأعمال مرصودة لا يغيب منها شيء : ( وما ربك بغافل عما يعملون ) .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ} (132)

{ ولكل } من المكلفين . { درجات } مراتب { مما عملوا } من أعمالهم أو من جزائها ، أو من أجلها { وما ربك بغافل عما يعملون } فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أبو عقاب . وقرأ ابن عامر بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ} (132)

احتراس على قوله : { ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم } [ الأنعام : 131 ] للتنبيه على أنّ الصّالحين من أهل القرى الغالببِ على أهلها الشركُ والظّلم لا يُحرمون جزاء صلاحهم .

والتّنوين في : { ولكل } عوض عن المضاف إليه : أي ولكلّهم ، أي كلّ أهل القرى المهلَكة درجات . يعني أنّ أهلها تتفاوت أحوالهم في الآخرة . فالمؤمنون منهم لا يضاع إيمانهم . والكافرون يحشرون إلى العذاب في الآخرة . بعد أن عُذّبوا في الدّنيا . فالله قد ينجي المؤمنين من أهل القُرى قبل نزول العذاب . فتلك درجة نالوها في الدّنيا ، وهي درجة إظهار عناية الله بهم ، وتُرفع درجتهم في الآخرة . والكافرون يحيق بهم عذاب الإهلاك ثمّ يصيرون إلى عذاب الآخرة . وقد تهلك القرية بمؤمنيها ثمّ يصيرون إلى النّعيم فيظهر تفاوت درجاتهم في الآخرة ، وهذه حالة أخرى وهي المراد بقوله تعالى : { واتَّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة } [ الأنفال : 25 ] روى البخاري ، ومسلم ، عن ابن عمر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذَا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذابُ من كان فيهم ثمّ بُعثوا على أعمالهم " . وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند البيهقي في « الشُعب » مرفوعاً أنّ الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهللِ نقمته وفيهم الصّالحون قُبضوا معهم ثمّ بُعثوا على نياتهم وأعمالهم ، صحّحه ابن حِبّان . وفي « صحيح البخاري » ، من حديث زينب بنت جحش أمّ المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من رَدْم ياجوج وماجوج هكذا وعقد تسعين ( أي عقد أصبعين بعلامة تسعين في الحساب المعبر عنه بالعُقَد بضم العين وفتح القاف ) قِيل : أنهلك وفينا الصّالحون ، قال : نَعَم إذا كثر الخُبْث " .

والدّرجات هي ما يرتقى عليه من أسفل إلى أعلى ، في سُلم أو بناء ، وإن قصد بها النّزول إلى محلّ منخفض من جبّ أو نحوه فهي دركات ، ولذلك قال تعالى : { يرفع اللَّهُ الذين آمنوا منكم والذينَ أوتوا العلم درجات } [ المجادلة : 11 ] وقال : { إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النّار } [ النساء : 145 ] ولمّا كان لفظ ( كلّ ) مراداً به جميع أهل القرية ، وأتى بلفظ { الدّرجات } كان إيماء إلى تغليب حال المؤمنين لِتَطمئنّ نفوسُ المسلمين من أهل مكّة بأنّهم لا بأس عليهم من عذاب مشركيها ، ففيه إيماء إلى أنّ الله منجيهم من العذاب : في الدّنيا بالهجرة ، وفي الآخرة بحشرهم على أعمالهم ونياتهم لأنَّهم لم يقصروا في الإنكار على المشركين ، ففي هذه الآية إيذان بأنَّهم سيخرجون من القرية الّتي حقّ على أهلها العذاب ، فإنّ الله أصاب أهل مكّة بالجوع والخوف ثمّ بالغزو بعد أن أنجى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .

وقدْ عُلم من الدّرجات أنّ أسافلها دركات فغلب درجات لنكتة الإشعار ببشارة المؤمنين بعد نِذارة المشركين . و { مِن } في قوله { مما عملوا } تعليلية ، أي من أعمالهم أي بسبب تفاوت أعمالهم .

وقوله : { وما ربك بغافل عما يعملون } خطاب للرّسول صلى الله عليه وسلم

وقرأ الجمهور : { يعلمون } بياء الغيبة فيعود الضّمير إلى أهل القرى ، والمقصود مشركو مكّة ، فهو للتّسليّة والتّطمين لئلا يستبطىء وعد الله بالنَّصر ، وهو تعريض بالوعيد للمشركين من باب : واسمعي يا جارة . وقرأه ابن عامر بتاء الخطاب ، فالخطاب للرّسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، فهو وعد بالجزاء على صالح أعمالهم ، ترشيحاً للتّعبير بالدّرجات حسبما قدّمناه ، ليكون سَلاً لهم من وعيد أهل القرى أصحاب الظّلم ، وكلتا القراءتين مراد الله تعالى فيما أحسب .