{ أَفَأَمِنُوا } أي : الفاعلون لتلك الأفعال ، المعرضون عن آيات الله { أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ } أي : عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم ، { أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً } أي : فجأة { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } أي : فإنهم قد استوجبوا لذلك ، فليتوبوا إلى الله ، ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم .
وبعد فما الذي ينتظره أولئك المعرضون عن آيات الله المعروضة في صفحات الوجود ، بعد إعراضهم عن آيات القرآن التي لا يسألون عليها أجرا ؟
( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ، أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ؟ )
وهي لمسة قوية لمشاعرهم ، لإيقاظهم من غفلتهم ، وليحذروا عاقبة هذه الغفلة . فإن عذاب الله الذي لا يعلم موعده أحد ، قد يغشاهم اللحظة بغاشية تلفهم وتشملهم ، وربما تكون الساعة على الأبواب فيطرقهم اليوم الرهيب المخيف بغتة وهم لا يشعرون . . إن الغيب موصد الأبواب ، لا تمتد إليه عين ولا أذن ، ولا يدري أحد ماذا سيكون اللحظة ، فكيف يأمن الغافلون ؟
وال { غاشية } ما يغشي ويغطي ويغم ، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد الله : «يأتيهم الساعة بغتة » بالياء ، و { بغتة } معناه : فجأة ، وذلك أصعب ، وهذه الآية من قوله : { وكأين } وإن كانت في الكفار -بحكم ما قبلها - فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغوياً كالرياء ، فقد قال عليه السلام :
«الرياء : الشرك الأصغر »{[6854]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فخوفهم، فقال: {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية}، يعني: أن تغشاهم عقوبة، {من عذاب الله}، في الدنيا، {أو تأتيهم الساعة بغتة}، يعني فجأة، {وهم لا يشعرون} بإتيانها، هذا وعيد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول جلّ ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرّون بأن الله ربهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيره، "أنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ "تغشاهم من عقوبة الله وعذابه، على شركهم بالله، أو تأتيهم القيامة فجأة وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربهم، فيخلدهم الله عزّ وجلّ في ناره وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي كيف أمنوا أن يأتيهم عذاب الله (أو تأتيهم الساعة بغتة) وقد سمعوا بإتيان العذاب بمن قبلهم وهلاكهم، وقد جاء ما يخوفهم إتيان الساعة، وخافوا بها، ولو لم يعلموا لها حقيقة لما تركوا العلم بها ترك معاندة ومكابرة لا ترك من لم يبين لهم ومن لم يأت له التخويف والإعلام...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وال {غاشية} ما يغشي ويغطي ويغم، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد الله: «يأتيهم الساعة بغتة» بالياء، و {بغتة} معناه: فجأة، وذلك أصعب، وهذه الآية من قوله: {وكأين} وإن كانت في الكفار -بحكم ما قبلها -فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغوياً كالرياء، فقد قال عليه السلام: «الرياء: الشرك الأصغر».
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخبر الله تعالى عن ارتباكهم في أشراك إشراكهم، وأنهم يتعامون عن الأدلة في الدنيا، وكان الأكثر المبهم القطع بعدم إيمانهم من توجيه الأمر والنهي والحث والزجر إلى الجميع وهم في غمارهم، وكان بعض الناس كالحمار لا ينقاد إلا بالعذاب، قال سبحانه وتعالى: {أفأمنوا} إنكاراً فيه معنى التوبيخ والتهديد {أن تأتيهم غاشية} أي شيء يغطيهم ويبرك عليهم ويحيط بهم {من عذاب الله} أي الذي له الأمر كله في الدنيا كما أتى من ذكرنا قصصهم من الأمم.
ولما كان العاقل ينبغي له الحذر من كل ممكن وإن كان لا يقربه، قال تعالى: {أو تأتيهم الساعة} وأشار إلى أشد ما يكون من ذلك على القلوب بقوله: {بغتة} أي وهم عنها في غاية الغفلة بعدم توقعها أصلاً...
ولما كان هذا المعنى مهولاً، أكده الله بقوله: {وهم لا يشعرون} أي نوعاً من الشعور ولو أنه كالشعرة، إعلاماً بشدة جهلهم في أن حالهم حال من هو في غاية الأمن مما أقل أحواله أنه ممكن، لأن الشعور إدراك الشيء بما يلطف كدقة الشعر، وإنما قلت: إنه تأكيد، لأنه معنى البغتة؛ قال الإمام أبو بكر الزبيدي في مختصر العين: البغتة: المفاجأة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
...وهي لمسة قوية لمشاعرهم، لإيقاظهم من غفلتهم، وليحذروا عاقبة هذه الغفلة. فإن عذاب الله الذي لا يعلم موعده أحد، قد يغشاهم اللحظة بغاشية تلفهم وتشملهم، وربما تكون الساعة على الأبواب فيطرقهم اليوم الرهيب المخيف بغتة وهم لا يشعرون.. إن الغيب موصد الأبواب، لا تمتد إليه عين ولا أذن، ولا يدري أحد ماذا سيكون اللحظة، فكيف يأمن الغافلون؟
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اعتراض بالتفريع على ما دلت عليه الجملتان قبله من تفظيع حالهم وجرأتهم على خالقهم والاستمرار على ذلك دون إقلاع، فكأنهم في إعراضهم عن توقع حصول غضب الله بهم آمنون أن تأتيهم غاشية من عذابه في الدنيا أو تأتيهم الساعة بغتة فتحول بينهم وبين التوبة ويصيرون إلى العذاب الخالد. والاستفهام مستعمل في التوبيخ...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن من يخدعه الشيطان يكون في لهو عن مستقبله يستغرقه حاضره اللاعب اللاهي، ولا يتخذ من الماضي لغيره أو له عبرة يتعرف بها المستقبل، بل هو ساه في لهو لا يفكر في أمر مستقبله، كأنه أمنه واستقر على ما يجيء به، ولذا قال تعالى في المشركين الذين استغرقهم حاضرهم وما هم فيه: {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله} (الفاء) مقدمة عن تأخير؛ لأن الاستفهام له الصدارة دائما، أو الهمزة داخلة على فعل مناسب محذوف دل عليه ما بعده، ألهوا وأشركوا وعبثوا {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله}، أي أي غاشية من الغواشي التي تكون من عذاب، فتعمهم من فوقهم ومن أسفل منهم، وكأنها ثياب تغشاهم وتعمهم، وتكون سابغة عليهم، ولهم في ذلك العبر من الأمم العربية التي كفروا بأنعم الله فجاءتها ريح صرصر عاتية، أو جعل الله تعالى عاليها سافلها أو دمر الله عليهم، كما قال تعالى فيهم: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون 45 أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين 46 أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم 47} (النحل). {أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون}، إما أن تأتيهم نقمة تخصهم لكفرهم وغيهم وفسادهم في الأرض، وإما أن تأتيهم القاضية، وهي ساعة القيامة، وسمي يوم القيامة ساعة، لأنه يتم بعد غمضة عين وانتباهتها، وفي هذا إشارة إلى أن أعمال الكافرين أعمال من يظن الحياة الدنيا دائمة، ولا يترقب يوم القيامة وما وراءه، وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} بإقبالها، وقوله: {بغتة} ‘إشارة إلى أنها تفجؤهم من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون، بل هم في غيهم مستمرون...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
إشارة إلى ما يترتب على الغفلة عن الله، والإعراض عن تدبر آياته، وعدم الاعتبار بسننه التي جرى عليها في خلقه، من مداهمة العذاب، والمفاجأة بالعقاب، بينما العقل السليم يقضي بوجوب الاستعداد لكل الطوارئ، والتسلح لمواجهتها بالإيمان الخالص، والعمل الصالح، والتزود بزاد التقوى، لكن الغفلة التي استولت على الغافلين، جعلتهم آمنين مكر الله، أو شبه آمنين...