المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

26- وقال فرعون : دعوني أقتل موسى وليدعُ ربه لينقذه منى ، إني أخشى أن يغيِّر دينكم - يا قوم - أو أن يشيع في الأرض الفتن .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

{ وقَالَ فِرْعَوْنُ } متكبرًا متجبرًا مغررًا لقومه السفهاء : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } أي : زعم -قبحه الله- أنه لولا مراعاة خواطر قومه لقتله ، وأنه لا يمنعه من دعاء ربه ، ثم ذكر الحامل له على إرادة قتله ، وأنه نصح لقومه ، وإزالة للشر في الأرض فقال : { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ } الذي أنتم عليه { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } وهذا من أعجب ما يكون ، أن يكون شر الخلق ينصح الناس عن اتباع خير الخلق هذا من التمويه والترويج الذي لا يدخل إلا عقل من قال الله فيهم : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

21

فأما فرعون فكان له فيما يبدو رأي آخر ، أو اقتراح إضافي في أثناء التآمر . ذلك أن يتخلص من موسى نفسه . فيستريح !

( وقال فرعون : ذروني أقتل موسى ، وليدع ربه ، إني أخاف أن يبدل دينكم ، أو أن يظهر في الأرض الفساد ) . .

ويبدو من قوله : ( ذروني أقتل موسى ) . . أن رأيه هذا كان يجد ممانعة ومعارضة - من ناحية الرأي - كأن يقال مثلاً : إن قتل موسى لا ينهي الإشكال . فقد يوحي هذا للجماهير بتقديسه واعتباره شهيداً ، والحماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به ، وبخاصة بعد إيمان السحرة في مشهد شعبي جامع ، وإعلانهم سبب إيمانهم ، وهم الذين جيء بهم ليبطلوا عمله ويناوئوه . . وقد يكون بعض مستشاري الملك أحس في نفسه رهبة أن ينتقم إله موسى له ، ويبطش بهم . وليس هذا ببعيد ، فقد كان الوثنيون يعتقدون بتعدد الآلهة ، ويتصورون بسهولة أن يكون لموسى إله ينتقم له ممن يعتدون عليه ! ويكون قول فرعون : ( وليدع ربه ) . . رداً على هذا التلويح ! وإن كان لا يبعد أن هذه الكلمة الفاجرة من فرعون ، كانت تبجحاً واستهتاراً ، لقي جزاءه في نهاية المطاف كما سيجيء .

ولعله من الطريف أن نقف أمام حجة فرعون في قتل موسى :

( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) . .

فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثني ، عن موسى رسول الله - عليه السلام - ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )? ! !

أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح ? أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل ? أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادى ء ?

إنه منطق واحد ، يتكرر كلما التقى الحق والباطل ، والإيمان والكفر . والصلاح والطغيان على توالي الزمان واختلاف المكان . والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } وهذا عَزْمٌ من فرعون - لعنه الله - على قتل موسى ، عليه السلام ، أي : قال لقومه : دعوني حتى أقتل لكم هذا ، { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } أي : لا أبالي منه . وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد .

وقوله - قبحه الله - : { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ } يعني : موسى ، يخشى فرعون أن يُضِلَّ موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم . وهذا كما يقال في المثل : " صار فرعون مُذَكِّرًا " يعني : واعظا ، يشفق على الناس من موسى ، عليه السلام .

وقرأ الأكثرون : " أن يبدل دينكم وأن يُظهِر في الأرض الفساد " وقرأ آخرون : { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ } وقرأ بعضهم : " يَظْهَر في الأرض الفسادُ " بالضم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

{ وقال فرعون ذروني أقتل موسى } كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله ، أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله . { وليدع ربه } فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه . { إني أخاف } إن لم أقتله . { أن يبدل دينكم } أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى : { ويذرك وآلهتك } . { أو أن يظهر في الأرض الفساد } ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع ، وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى عليه السلام انهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره ، وذلك بين من غير ما موضع من قصتهما ، في هذه الآية على ذلك دليلان ، أحدهما قوله : { ذروني } فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنقاذ أوامرهم . والدليل الثاني : مقالة المؤمن وما صدع به ، وأن مكاشفته لفرعون أكثر من مسايرته ، وحكمه بنبوة موسى أظهر من توريته في أمره . وأما فرعون فإنما لجأ إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي ، ومن ذلك قوله : { ذروني أقتل موسى وليدع ربه } أي إني لا أبالي عن رب موسى ، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم فقال : { إني أخاف أن يبدل دينكم } . والدين : السلطان ، ومنه قول زهير :

لئن حللت بجوٍّ من بني أسد . . . في دين عمرو وحالت بيننا فدك{[9984]}

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر : «وأن » . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : «أو أن » ، ورجحها أبو عبيد بزيادة الحرف ، فعلى الأولى خاف أمرين ، وعلى الثانية : خاف أحد أمرين .

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم والحسن وقتادة والجحدري وأبو رجاء ومجاهد وسعيد بن المسيب ومالك بن أنس : «يُظهِر » بضم الياء وكسر الهاء . «الفسادَ » نصيباً . وقرأ ابن كثير وابن عامر : «يَظهرَ » بفتح الياء والهاء «الفسادُ » بالرفع على إسناد الفعل إليه ، وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم والأعرج وعيسى والأعمش وابن وثاب . وروي عن الأعمش أنه قرأ : «ويظهرُ في الأرض الفساد » برفع الراء . وفي مصحف ابن مسعود : «ويظهر » بفتح الراء .


[9984]:البيت من قصيدة قالها زهير حين أغار الحارث بن ورقاء الصداوي الأسدي على بني عبد الله بن غطفان واستاق إبل زهير وراعي هذه الإبل واسمه يسار، وبعد هذا البيت يقول مخاطبا الحارث: وهو جواب قوله هنا: لئن حللت: ليأتينك مني منطق قذع باق كما دنس القبطية الودك والمراد بقوله: دين عمرو: سلطان عمرو وطاعته، وأراد عمرو بن هند ملك العراق، وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، أفاءها الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع للهجرة صلحا، والقذع: الشاتم أقبح شتم، والقبطية ثياب بيضاء كانت معروفة عندهم، والودك: الدسم يسيل من اللحم والشحم، يقول له: لئن نزلت في حماية عمرو ابن هند، ونزلت بعيدا عني وحالت بيننا البلاد فلن تسلم من لساني وهجائي لك، لأنه سيتعبك إلى أبعد مكان، وسيبقى على الدهر تردده أفواه الرواة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

عطفُ { وقال } بالواو يدل على أنه قال هذا القول في موطن آخر ولم يكن جواباً لقولهم : { اقْتُلوا أبْنَاءَ الَّذِينَ ءامَنُوا مَعَهُ } [ غافر : 25 ] ، وفي هذا الأسلوب إيماء إلى أن فرعون لم يعمل بإشارة الذين قالوا : { اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه } وأنه سكت ولم يراجعهم بتأييد ولا إعراض ، ثم رأى أن الأجدر قتل موسى دون أن يقتل الذين آمنوا معه لأن قتله أقطع لفتنتهم .

ومعنى : { ذروني } إعلامهم بعزمه بضرب من إظهار ميله لذلك وانتظاره الموافقة عليه بحيث يمثل حاله وحال المخاطبين بحال من يريد فعل شيء فيصدّ عنه ، فلرغبته فيه يقول لمن يصده : دَعْنِي أفعل كذا ، لأن ذلك التركيب مما يخاطب به الممانع والملائم ونحوهما ، قال طرفة :

فان كنتَ لا تستطيع دفع منيتي *** فدَعْنِي أبادرها بما ملكتْ يدي

ثم استعمل هذا في التعبير عن الرغبة ولم يكن ثمة معارض أو ممانع ، وهو استعمال شائع في هذا وما يرادفه مثل : دَعْني وخَلِّني ، كما في قوله تعالى : { ذرني ومن خلقت وحيداً } [ المدثر : 11 ] وقوله : { وذرني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] ، وقول أبي القاسم السهيلي :

دَعْنِي على حكم الهوى أتضرع *** فَعَسَى يلين ليَ الحبيب ويخشع

وذلك يستتبع كناية عن خطر ذلك العمل وصعوبة تحصيله لأن مثله مما يَمنع المستشارُ مستشيره من الإِقدام عليه ، ولذلك عطف عليه : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } لأن موسى خوّفهم عذاب الله وتحدَّاهم بالآيات التسع . ولام الأمر في { وَلْيَدعُ رَبَّهُ } مستعملة في التسوية وعدم الاكتراث . وجملة { إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ } تعليل للعزم على قتل موسى . والخوف مستعمل في الإِشفاق ، أي أظن ظناً قوياً أن يبدل دينكم . وحذفت ( مِن ) التي يتعدى بها فعل { أخاف } لأنها وقعت بينه وبين ( أنْ ) .

والتبديل : تعويض الشيء بغيره . وتوسم فرعون ذلك من إنكار موسى على فرعون زعمه أنه إله لقومه فإن تبديل الأصول يقتضي تبديل فروع الشريعة كلها .

والإِضافة في قوله : { دينكم } تعريض بأنهم أولى بالذبّ عن الدين وإن كان هو دينَه أيضاً لكنه تجرد في مشاورتهم عن أن يكون فيه مراعاة لحظ نفسه كما قالوا هم { أتذر موسى وقومَه ليفسدوا في الأرض ويذَرَك وآلهتك } [ الأعراف : 127 ] وذلك كله إلهاب وتحضيض .

والأرض : هي المعهودة عندهم وهي مملكة فرعون .

ومعنى إظهار موسى الفساد عندهم أنه يتسبب في ظهوره بدعوته إلى تغيير ما هم عليه من الديانة والعوائد . وأطلق الإِظهار على الفشوّ والانتشار على سبيل الاستعارة . وقد حمله غروره وقلة تدبره في الأمور على ظن أن ما خالف دينهم يعدّ فساداً إذ ليست لهم حجة لدينهم غير الإِلف والانتفاع العاجل .

وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر { وأَنْ بواو العطف . وقرأ غيرهم أوْ أَنْ } ب ( أو ) التي للترديد ، أي لا يخلو سعي موسى عن حصول أحد هاذين . وقرأ نافع وأبو عَمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بضم ياء { يُظهر } ونصب { الفَسَاد } أي يبدل دينكم ويكون سبباً في ظهور الفساد . وقرأه ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بفتح الياء وبرفع { الفسادُ } على معنى أن الفساد يظهر بسبب ظهور أَتْباع موسى ، أو بأن يجترىء غيره على مثل دعواه بأن تزول حُرمة الدولة ، لأن شأن أهل الخوف عن عمل أن ينقلب جبنهم شجاعة إذا رأوا نجاح من اجترأ على العمل الذي يريدون مثله .