تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

الآية 26 وقوله تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى } /476– ب/ قال هذا لما رأى أنه لم يمنعهم عن اتباع موسى ما ذكر من قتل الأبناء . قال عند ذلك : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى } [ ثم يحتمل قوله : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى } ]{[18219]} وجوها :

أحدها : يحتمل أنه همّ فرعون أن يقتل موسى عليه السلام فمنعه قومه أو الملأ من قومه عن قتله ، فقال عند ذلك : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى } .

والثاني : يحتمل أنه قال مبتدئا من غير أن كان منهم منع له عن قتله ، وهو كما قال ربنا عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { ذرني ومن خلقت وحيدا } [ المدثر : 11 ] من غير أن كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم منع له عن ذلك . وهذا في كلام العرب موجود سائغ التكلم به على الابتداء من غير أن كان من أحد منع عما يريدون أن يفعلوا ، والله أعلم .

والثالث : يحتمل { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى } أي ذروني ولائمتي{[18220]} في قتل موسى ، أي لا تلوموني إذا أنا قتلته ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه كان ذلك من فرعون ؛ يقول : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } يمنعني عن قتله إن كان صادقا في ما يدّعي من الرسالة لأن من أرسل رسولا ، فهمّ أحد قتله أو الضرر به منعه المُرسِل عن ذلك فعلى ذلك يقول ، والله أعلم .

والثاني : يكون ذلك أمرا من الله عز وجل موسى بالدعاء على فرعون بالهلاك لمّا همّ قتله . وعلى ذلك الرسل عليهم السلام قد أذن لهم بالدعاء على فراعنتهم ومعانديهم ومكابريهم إذا بلغوا في العناد غايته{[18221]} والتمرّد نهايته{[18222]} ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ } قد كان هناك تبديل الدين ، فإنه قد أظهر موسى عليه السلام دين الحق ، وآمن [ كثير ]{[18223]} من أتباعه . لكن كأنه أراد ، والله أعلم ، بقوله : { أن يبدّل دينكم } أي يذهب بدينكم من الأصل .

وقوله تعالى : { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } ذكر اللعين [ وقد ]{[18224]} سمى إظهار التوحيد في الأرض ودين الإسلام فسادا ليعلم أن كل مدّع شيئا ، وإن كان مبطلا في دعواه ؛ فعنده أنه على حق ، وأن خصمه [ على الباطل ]{[18225]} فلا يُقبل قول أحد إلا ببرهان ، والله أعلم .

ويحتمل أن فرعون اللعين أراد بقوله : { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } قتل أبنائهم أي يقتل موسى أبناءكم مجازاة لما قتلتم أنتم أبناءهم ، والله أعلم .


[18219]:في الأصل وم: له.
[18220]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[18221]:في الأصل وم: غايتهم.
[18222]:في الأصل وم: نهايتهم.
[18223]:ساقطة من الأصل وم.
[18224]:في الأصل وم: و.
[18225]:في الأصل وم: باطل.