إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ موسى } كانَ مَلؤُه إذَا هَمَّ بقتلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كفُّوه بقولِهم ليسَ هَذا بالذي تخافُه فإنَّه أقلُّ من ذاكَ وأضعفُ وما هُو إلا بعضُ السحرةِ ، وبقولِهم إذا قتلتَهُ أدخلتَ على النَّاسِ شُبهةً واعتقدُوا أنَّكَ عجَزتَ عن معارضتِه بالحجَّةِ وعَدلتَ إلى المقارعةِ بالسيفِ ، والظاهرُ من دهاءِ اللعينِ ونَكارتِه أنَّه كانَ قد استيقنَ أنَّه نبيٌّ وأنَّ ما جاءَ بهِ آياتٌ باهرةٌ وما هُو بسحرٍ ولكنْ كانَ يخافُ إنْ همَّ بقتلِه أنْ يُعاجلَ بالهلاكِ ، وكانَ قولُه هذا تمويهاً على قومِه وإيهاماً أنَّهم هم الكافُّونَ له عن قتلِه ولولاهُم لقتلَه وما كانَ الذي يكفُّه إلا ما في نفسِه من الفزعِ الهائل . وقولُه : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } تجلدٌ منه وإظهارٌ لعدمِ المُبالاةِ بدعائِه ولكنَّه أخوفُ ما يخافُه { إِنّي أَخَافُ } إنْ لم أقتْلهُ { أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ } أنْ يغيرَ ما أنتُم عليهِ من الدينِ الذي هُو عبارةٌ عن عبادتِه وعبادةِ الأصنامِ لتقربَهم إليه { أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد } ما يُفسدُ دُنياكُم من التحاربِ والتهارجِ إنْ لم يقدرُ على تبديلِ دينِكم بالكلِّيةِ . وقرئ بالواوِ الجامعةِ ، وقرئ بفتحِ الياءِ والهاءِ ورفعِ الفساد ، وقرئ يَظَّهَّر بتشديدِ الظَّاءِ والهاءِ من تظهَّرَ بمعنى تظَاهرَ أي تتابعَ وتعاونَ .