اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

قوله { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ موسى } أي وقال فرعون لِمَلأِهِ { ذروني أَقْتُلْ موسى } فتح ابن كثير ياء «ذروني »{[48082]} وسكنها الباقون . وإنما قال فرعون ذلك ؛ لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى وفي منعهم من قتله احتمالان :

الأول : أنهم منعوه من قتله لوجوه :

الأول : لعله كان فيه من يعتقد بقلبه كون موسى صادقاً فيتحيل في منع فرعون من قتله .

وثانيهما : قال الحسن : إن أصحابه قالوا له : لا تقتله فإنما هو ساحر ضعيف ولا يمكن أن يغلب سَحَرَتَنَا وإن قَتَلْتَهُ أدخلتَ الشبهةَ على الناس ويقولوا : إنه كان محقاً وعجزا عن جوابه فقتلوه .

وثالثها : أنهم كانوا يحتالون في منعه من قتله لأجل أن يبقى فرعون مشغول القلب بموسى فلا يتفرغ لتأديب أولئك الأقوام ؛ لأن من شأن الأمراء أن يشغلوا قلب ملكِهِم بخصمٍ خارجي حتى يصيروا آمنين من قلب ذلك الملك .

الاحتمال الثاني : أن أحداً ما منع فرعون من قتل موسى وأنه كان يريد قتله ، إلا أنه كان خائفاً من أنه لو حاول قتله لظهرت معجزات قاهرات{[48083]} تمنعه من قتله فيفتضح إلا أنه قال ذروني أقتل موسى وغرضه منه إخفاء خوفه .

قوله : «ولْيَدْعُ رَبَّهُ » أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ؛ ذكر ذلك استهزاءًا .

قوله { إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد } قرأ الكوفيون ويعقوبُ ( أو أن ) بأو التي للإبهام ومعناه أنه لابد من وقوع أحد الأمرين والباقون بواو النسق على تسلط الخوف من التبديل وظهور الفساد معاً{[48084]} . وفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو الياء من «إِنِّي أخاف » ؛ وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص «يُظْهر » بضم الياء وكسر الهاء من أظهر ، وفاعله ضمير موسى عليه الصلاة والسلام «الفَسَادَ » نصباً على المفعول به والباقون بفتح الياء والهاء{[48085]} من ظَهَرَ الفسادُ ، «الفَسَادُ » رفعاً ، وزيد بن علي يُظْهَرُ مبنياً للمفعول الفَسَاد{[48086]} مرفوع لقيامه مقام الفاعل ومجاهد «يَظَّهَّر » بتشديد{[48087]} الظاء والهاء ، وأصلها يَتَظَهَّر من تَظَهَّر بتشديد الهاء فأدغم التاء في الظاء ، «الفسادُ » رفع على الفاعلية .

فصل

ذكر فرعونُ النسبَ الموجبَ لقتل موسى وهو أن المُوجِبَ لقتله إما فساد الدين أو فساد الدنيا ، أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو دينهم الذي كانوا عليه ، فلما كان موسى ساعياً في إفساده اعتقدوا أنه ساع في إفساد الدين الحق ، وأما فساد الدنيا فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قوم ويصير ذلك سبباً لوقوع الخصومات وإثارة الفتن ، ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبّهم لأمالهم لا جَرَمَ بدأ فرعونُ بذكر الدين فقال : { إني أخاف أن يبدل دينكم } ثم أتبعه بذكر فساد الدنيا فقال أو أن يظهر في الأرض الفاسد .


[48082]:ورواها أيضا ورش من طريق الأصبهاني ولم ترو هذه القراءة في المتواتر، انظرها في الإتحاف 378 فهي من الأربع فوق العشر.
[48083]:في (ب) ظاهرات وفي الرازي قاهرة والتصحيح من الرازي و (أ) وانظر الرازي 27/54.
[48084]:من القراءة المتواترة ذكرها الرازي في المرجع السابق ومكي في الكشف 2/143 وانظر أيضا السبعة 569 والإتحاف 378 والدر المصون 4/687 و688.
[48085]:الكشف 2/243 والسبعة 569 والإتحاف 378 ومعاني الفراء 3/7.
[48086]:قراءة شاذة غير متواترة ذكرها صاحب البحر 7/460 وصاحب شواذ القرآن 213.
[48087]:ذكرها شاذة أيضا انظر مختصر ابن خالويه 132 والبحر المرجع السابق والكشاف 3/423.