{ أَفَأَمِنُوا } أي : الفاعلون لتلك الأفعال ، المعرضون عن آيات الله { أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ } أي : عذاب يغشاهم ويعمهم ويستأصلهم ، { أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً } أي : فجأة { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } أي : فإنهم قد استوجبوا لذلك ، فليتوبوا إلى الله ، ويتركوا ما يكون سببا في عقابهم .
وبعد فما الذي ينتظره أولئك المعرضون عن آيات الله المعروضة في صفحات الوجود ، بعد إعراضهم عن آيات القرآن التي لا يسألون عليها أجرا ؟
( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ، أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ؟ )
وهي لمسة قوية لمشاعرهم ، لإيقاظهم من غفلتهم ، وليحذروا عاقبة هذه الغفلة . فإن عذاب الله الذي لا يعلم موعده أحد ، قد يغشاهم اللحظة بغاشية تلفهم وتشملهم ، وربما تكون الساعة على الأبواب فيطرقهم اليوم الرهيب المخيف بغتة وهم لا يشعرون . . إن الغيب موصد الأبواب ، لا تمتد إليه عين ولا أذن ، ولا يدري أحد ماذا سيكون اللحظة ، فكيف يأمن الغافلون ؟
وقوله : { أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } أي : أفأمن هؤلاء المشركون [ بالله ]{[15377]} أن يأتيهم أمر يغشاهم من حيث لا يشعرون ، كما قال تعالى : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 45 - 47 ] وقال تعالى : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 97 - 99 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَأَمِنُوَاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .
يقول جلّ ثناؤه : أفأمن هؤلاء الذين لا يقرّون بأن الله ربهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيره ، أنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ تغشاهم من عقوبة الله وعذابه ، على شركهم بالله ، أو تأتيهم القيامة فجأة وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربهم ، فيخلدهم الله عزّ وجلّ في ناره وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال : تغشاهم .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال : تغشاهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَاب اللّهِ : أي عقوبة من عذاب الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : غاشيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ قال : غاشية واقعة تغشاهم من عذاب الله .
وال { غاشية } ما يغشي ويغطي ويغم ، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد الله : «يأتيهم الساعة بغتة » بالياء ، و { بغتة } معناه : فجأة ، وذلك أصعب ، وهذه الآية من قوله : { وكأين } وإن كانت في الكفار -بحكم ما قبلها - فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغوياً كالرياء ، فقد قال عليه السلام :
«الرياء : الشرك الأصغر »{[6854]} .
اعتراض بالتفريع على ما دلت عليه الجملتان قبله من تفظيع حالهم وجرأتهم على خالقهم والاستمرار على ذلك دون إقلاع ، فكأنهم في إعراضهم عن توقع حصول غضب الله بهم آمنون أن تأتيهم غاشية من عذابه في الدنيا أو تأتيهم الساعة بغتة فتحول بينهم وبين التوبة ويصيرون إلى العذاب الخالد .
والاستفهام مستعمل في التوبيخ .
والغشْي والغشيان : الإحاطة من كل جانب { وإذا غشيهم موج كالظلل } [ سورة لقمان : 32 ] . وتقدم في قوله تعالى يغشي الليل النهار في [ سورة الأعراف : 54 ] .
والغاشية الحادثة التي تحيط بالناس . والعرب يؤنثون هذه الحوادث مثل الطّامة والصاخة والداهية والمصيبة والكارثة والحادثة والواقعة والحاقة . والبغتة : الفجأة . وتقدمت عند قوله تعالى : { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة } في آخر سورة الأنعام ( 31 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.