وأنتم إنما تلاقون جزاء عادلاً ، تستحقونه بما قدمت أيديكم :
( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) . .
وهذا النص - بما يعرضه من مشهد " عذاب الحريق " - يثير في النفس سؤالا : ترى هذا تهديد من الملائكة للذين كفروا بعذاب المستقبل المقرر لهم - كأنه واقع بهم - بعد البعث والحساب ? أم أنهم يلاقون عذاب الحريق بمجرد توفيهم ? . .
وكلاهما جائز ، لا يمنع مانع من فهمه من النص القرآني . . ولا نحب أن نزيد شيئاً على هذا التقرير . . فهو أمر من أمور الغيب الذي استأثر الله بعلمه ؛ وليس علينا فيه إلا اليقين بوقوعه . وهو واقع ماله من دافع . أما موعده فعلم ذلك عند علام الغيوب .
وقوله تعالى : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي : هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة في حياتكم الدنيا ، جازاكم الله بها هذا الجزاء ، { وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } أي : لا يظلم أحدا من خلقه ، بل هو الحكم العدل ، الذي لا يجور ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه الغني الحميد ؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عند مسلم ، رحمه الله ، من رواية أبي ذر ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " {[13088]} ولهذا قال تعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِيدِ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم : ذوقوا عذاب الله الذي يحرقكم ، هذا العذاب لكم بما قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ أي بما كسبت أيديكم من الاَثام والأوزار واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم ، فذوقوا اليوم العذاب وفي معادكم عذاب الحريق وذلك لكم بأن الله ليس بظلام للعبيد ، لا يعاقب أحدا من خلقه إلا بجرم اجترمه ، ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه ، لأن الظلم لا يجوز أن يكون منه . وفي فتح «أن » من قوله : وأن الله وجهان من الإعراب : أحدهما النصب ، وهو للعطف على «ما » التي في قوله : بِمَا قَدّمَتْ بمعنى : ذلك بما قدمت أيديكم ، وبأن الله ليس بظلام للعبيد في قول بعضهم ، والخفض في قول بعض . والاَخر : الرفع على ذلِكَ بما قَدّمَتْ وذلك أن الله .
وقوله تعالى : { ذلك بما قدمت أيديكم } يحتمل أن يكون من قول الملائكة في وقت توفيتهم لهم على الصورة المذكورة ، ويحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً تقريعاً من الله عز وجل للكافرين حيهم وميتهم ، { وأن } يصح أن تكون في موضع رفع على تقدير والحكم أن ، ويصح أن تكون في موضع خفض عطفاً على ما في قوله { بما قدمت } ، وقال مكي والزهراوي : ويصح أن تكون في موضع نصب بإسقاط الباء تقديره «وبأن » ، فلما حذفت الباء حصلت في موضع نصب .
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير متجه ولا بيّن إلا أن تنصب بإضمار فعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.