80- وهو الذي يحيى ويميت ، وبأمره وقوانينه تعاقب الليل والنهار واختلافهما طولا وقصراً ، ألا تعقلون دلالة ذلك علي قدرته ووجوب الإيمان به ، وبالبعث ؟ {[145]} .
{ وَهُوَ } تعالى وحده { الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي : المتصرف في الحياة والموت ، هو الله وحده ، { وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي : تعاقبهما وتناوبهما ، فلو شاء أن يجعل النهار سرمدا ، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ؟ ولو شاء أن يجعل الليل سرمدا ، من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تبصرون ؟ . ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) .
ولهذا قال هنا : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } فتعرفون أن الذي وهب لكم من النعم ، السمع ، والأبصار ، والأفئدة ، والذي نشركم في الأرض وحده ، والذي يحيي ويميت وحده ، والذي يتصرف بالليل والنهار وحده ، أن ذلك موجب لكم ، أن تخلصوا له العبادة وحده لا شريك له ، وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر ، ولا يتصرف بشيء ، بل هو عاجز من كل وجه ، فلو كان لكم عقل لم تفعلوا ذلك .
{ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ }أي : يحيي الرمم ويميت الأمم ، { وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي : وعن أمره تسخير الليل والنهار ، كل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا ، يتعاقبان لا يفتران ، ولا يفترقان بزمان غيرهما ، كقوله تعالى : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس : 40 ] .
وقوله : { أَفَلا تَعْقِلُونَ } أي : أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم ، الذي قد قهر كل شيء ، وعز كل شيء ، وخضع له كل شيء .
{ وهو الذي يحي ويميت وله اختلاف الليل والنهار } ويختص به تعاقبهما لا يقدر على غيره فيكون ردا لنسبته إلى الشمس حقيقة أو لأمره وقضائه تعاقبهما ، أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر . { أفلا تعقلون } بالنظر والتأمل أن الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات كلها وأن البعث من جملتها ، وقرئ بالياء على أن الخطاب السابق لتغليب المؤمنين .
هو من أسلوب { وهو الذي أنشأ لكم السمع } [ المؤمنون : 78 ] وأعقب ذكر الحشر بذكر الإحياء لأن البعث إحياء إدماجاً للاستدلال على إمكان البعث في الاستدلال على عموم التصرف في العالم .
وأما ذكر الإماتة فلمناسبة التضاد ، ولأن فيها دلالة على عظيم القدرة والقهر . ولما كان من الإحياء خلْق الإيقاظ ومن الإماتة خلق النوم كما قال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } [ الزمر : 42 ] الآية عطف على ذلك أن بقدرته اختلاف الليل والنهار لتلك المناسبة ، ولأن في تصريف الليل والنهار دلالة على عظيم القدرة ، والعلم دلالة على الانفراد بصفات الإلهية وعلى وقوع البعث كما قال تعالى : { كما بدأكم تعودون } [ الأعراف : 29 ] .
واللام في { له اختلاف الليل والنهار } للملك ، أي بقدرته تصريف الليل والنهار ، فالنهار يناسب الحياة ولذلك يسمى الهبوب في النهار بعثاً ، والليلُ يناسب الموت ولذلك سمى الله النوم وفاةً في قوله : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه } [ الأنعام : 60 ] .
وتقديم المجرور للقصر ، أي له اختلاف الليل والنهار لا لغيره ، أي فغيره لا تحق له الإلهية .
ولما كانت هذه الأدلة تفيد من نظر فيها علماً بأن الإله واحد وأن البعث واقع وكان المقصودون بالخطاب قد أشركوا به ولم يهتدوا بهذه الأدلة جُعلوا بمنزلة غير العقلاء فأنكر عليهم عدم العقل بالاستفهام الإنكاري المفرع على الأدلة الأربعة بالفاء في قوله { أفلا تعقلون } .
وهذا تذييل راجع إلى قوله { وإليه تحشرون } [ المؤمنون : 79 ] وما بعده .