75 - فأقسم - حقا - بمساقط النجوم عند غروبها آخر الليل أوقات التهجد والاستغفار ، وإنه لقسم - لو تفكرون في مدلوله - عظيم الخطر بعيد الأثر{[219]} .
وقوله - سبحانه - : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } كلام معترض بين القسم وجوابه والضمير فى " وإنه " يعود إلى القسم المذكور فى قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم } أو يعود إلى { بِمَوَاقِعِ النجوم } بتأويله بمعنى المذكور . . .
قال صاحب الكشاف : { بِمَوَاقِعِ النجوم } أى : بمساقطها ، ومغاربها . . . واستعظم ذلك بقوله : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } . . وهو اعتراض فى اعتراض ، لأنه اعترض به بين المقسم والمقسم عليه ، وهو قوله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } واعترض بقوله - لو تعلمون - بين الموصوف وصفته . . .
وجواب " لو " إما محذوف بالكلية لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، إذ المقصود هو نفى علمهم ، أى : أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم عظيم ، ولكنكم لا تعلمون قيمته ومنزلته .
وإما أن يكون جوابها مقدرا ، فيكون المعنى : أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم عظيم لو كان عندكم علم نافع ، لعظمتموه ، ولآمنتم بما أقسمنا عليه ، ولكنكم لم تعظموه ولم تؤمنوا لجهلكم ، ولانطماس بصائركم .
ولم يكن المخاطبون يومذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل ، الذي يدركونه بعيونهم المجردة . ومن ثم قال لهم : ( وإنه لقسم - لو تعلمون - عظيم ) . . فأما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به ، نصيبا أكبر بكثير مما كانوا يعلمون . وإن كنا نحن أيضا لا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم . . .
وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة ، المحدودة المناظير ، يقول لنا : إن مجموعة واحدة من مجموعات النجوم التي لا تحصى في الفضاء الهائل الذي لا نعرف له حدودا . مجموعة واحدة - هي المجرة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية - تبلغ ألف مليون نجم !
[ ويقول الفلكيون إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه . هذه كلها تسبح في الفلك الغامض ؛ ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر ، أو يصطدم بكوكب آخر ، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة . وهو احتمال بعيد ، وبعيد جدا . إن لم يكن مستحيلا ] .
وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع إخوته ، قد وضع هناك بحكمة وتقدير . وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم والكواكب ، لتتوازن هذه الخلائق كلها في هذا الفضاء الهائل .
فهذا طرف من عظمة مواقع النجوم ، وهو أكبر كثيرا جدا مما كان يعلمه المخاطبون بالقرآن أول مرة ، وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلية لعظمة واقع النجوم !
( فلا أقسم بمواقع النجوم ) . . فالأمر أوضح وأجلى من أن يحتاج إلى قسم . . ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) . . وهذا التلويح بالقسم والعدول عنه أسلوب ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لا تحتاج إلى القسم لأنها ثابتة واضحة . . ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين ) . .
وجملة { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } معترضة بين القسم وجوابه .
وضمير { إنه } عائد إلى القَسم المذكور في { لا أقسم بمواقع النجوم } ، أو عائداً إلى مواقع النجوم بتأويله بالمذكور فيكون قسم بمعنى مقسم به كما علمت آنفاً .
ويجوز أن يعود إلى المقسم عليه وهو ما تضمنه جواب القسم من قوله : { إنه لقرآن كريم } .
وجملة { لو تعلمون } معترضة بين الموصوف وصفته وهي اعتراض في اعتراض .
والعلْمُ الذي اقتضى شرطُ { لو } الامتناعية عدمَ حصوله لهم إن جعلت ضمير { إنه } عائداً على القسم هو العِلم التفصيلي بأحوال مواقع النجوم ، فإن المشركين لا يخلون من علم إجمالي متفاوت بأن في تلك المواقع عبرة للناظرين ، أو نُزّل ذلك العلم الإجمالي منزلة العدم لأنهم بكفرهم لم يجروا على موجَب ذلك العلم من توحيد الله فلو علِموا ما اشتملت عليه أحوال مواقع النجوم من متعلقات صفات الله تعالى لعلموا أنها مواقع قدسية لا يَحْلف بها إلا بارٌّ في يمينه ولكنهم بمعزل عن هذا العلم ، فإن جلالة المقسم به مما يزع الحالف عن الكذب في يمينه .
ودليل انتفاء علمهم بعظمته أنهم لم يدركوا دلالة ذلك على توحيد الله بالإِلهية فأثبوا له شركاء لم يخلقوا شيئاً من ذلك ولا ما يدانيه فتلك آية أنهم لم يدركوا ما في طي ذلك من دلائل حتى استوى عندهم خالق ما في تلك المواقع وغير خالقها .
فأما إن جعلت ضمير { وإنه لقسم } عائداً إلى المقسم عليه فالمعنى : لو تعلمون ذلك لما احتجتم إلى القسم .
وقرأ الجمهور { بمواقع } بصيغة الجمع بفتح الواو وبعدها ألف ، وقرأه حمزة والكسائي وخلق { بموقع } سكون الواو دون ألف بعدها بصيغة المفرد على أنه مصدر ميمي ، أي بوقوعها ، أي غروبها ، أو هو اسم لجهة غروبها كقوله : { رب المشرق والمغرب } [ المزمل : 9 ] .
ومفعول { تعلمون } محذوف دل عليه الكلام ، أي لو تعلمون عظمته ، أي دلائل عظمته ، ولك أن تجعل فعل { تعلمون } منزّلاً منزلة اللازم ، أي لو كان لكم علم لكنكم لا تتصفون بالعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.