في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ} (76)

57

ولم يكن المخاطبون يومذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل ، الذي يدركونه بعيونهم المجردة . ومن ثم قال لهم : ( وإنه لقسم - لو تعلمون - عظيم ) . . فأما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به ، نصيبا أكبر بكثير مما كانوا يعلمون . وإن كنا نحن أيضا لا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم . . .

وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة ، المحدودة المناظير ، يقول لنا : إن مجموعة واحدة من مجموعات النجوم التي لا تحصى في الفضاء الهائل الذي لا نعرف له حدودا . مجموعة واحدة - هي المجرة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية - تبلغ ألف مليون نجم !

[ ويقول الفلكيون إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه . هذه كلها تسبح في الفلك الغامض ؛ ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر ، أو يصطدم بكوكب آخر ، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة . وهو احتمال بعيد ، وبعيد جدا . إن لم يكن مستحيلا ] .

وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع إخوته ، قد وضع هناك بحكمة وتقدير . وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم والكواكب ، لتتوازن هذه الخلائق كلها في هذا الفضاء الهائل .

فهذا طرف من عظمة مواقع النجوم ، وهو أكبر كثيرا جدا مما كان يعلمه المخاطبون بالقرآن أول مرة ، وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلية لعظمة واقع النجوم !

( فلا أقسم بمواقع النجوم ) . . فالأمر أوضح وأجلى من أن يحتاج إلى قسم . . ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) . . وهذا التلويح بالقسم والعدول عنه أسلوب ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لا تحتاج إلى القسم لأنها ثابتة واضحة . . ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين ) . .