تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ} (76)

الآيتان 75 و76 وقوله تعالى : { * فلا أقسم بمواقع النجوم } { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } عن ابن مسعود وإبراهيم أنهما قرأا بموقع على الوحدان{[20495]} وعن الحسن أنه قرأها { بمواقع } على الجمع ، وبه أخذ أبو عبيد ، وقال : إن بعض أهل التأويل يتأولونها على منازل القرآن ، وبعضهم على مغائب الكواكب{[20496]} ومساقطها .

وأي الوجهين كان فالجمع فيه أولى من الوحدان .

ثم اختلف في قوله : { * فلا أقسم بمواقع النجوم } منهم من قال : إن حرف لا ههنا صلة ؛ كأنه قال : أقسم بمواقع النجوم ، وذلك جائز في اللغة كقوله : { ما منعك ألا تسجد }[ الأعراف : 12 ] ونحوه يكون على الصلة ، والزيادة على التوكيد .

ومنهم من قال على إثبات حرف لا . لكنه جعل ذكره لرد قول كان من أولئك الكفرة ولدفع منازعة كانت منهم ، لكن لم يذكر ذلك لما كانت معروفة بينهم ، فرد ذلك بقوله : { فلا } ثم ابتدأ القسم بقوله : { أقسم } كأنه قال : أقسم قسما بمواقع النجوم .

ثم اختلف في تأويل قوله : { بمواقع النجوم } على الوجهين اللذين ذكرناهما :

[ أحدهما : ما ]{[20497]} قال بعضهم : { بمواقع النجوم } أي بمواقع نزول القرآن نجوما :

دليله ما ذكر على إثره : { إنه لقرآن كريم } { في كتاب مكنون } [ الآيتان : 77 و78 ] .

والثاني : { بمواقع النجوم } المعروفة على ما قال بعضهم .

ثم إن كان المراد منه[ مغائب الكواكب ]{[20498]} فالقسم بها يكون على وجوه :

أحدها : لعظم مواقع النجوم ومحلها في القلوب وجليل قدرها عند الناس حتى يجعلها بعض/547 أ/ الملحدة مدبرة الخلق .

[ والثاني ]{[20499]} لكثرة منافع الخلق بها من معرفة [ الطرق ]{[20500]} بها والسبل ومعرفة كثرة الأنداء والمياه ومعرفة الأوقات والأزمنة وغيرها مما يكثر ذكرها .

[ والثالث ]{[20501]} : { بمواقع النجوم } أي بمساقطها ؛ وفي ذلك إخبار وإنباء عن شدة طاعة النجوم وتسخيره إياها للخلق حتى{[20502]} تملك قطع مسيرة خمس مئة [ عام ]{[20503]} بيوم وليلة واحدة مالا يتوهم قطع ذلك من سواها من ذوي الأرواح والأجنحة التي هي أسرع لقطع المسافة والوصول إلى مقاصدها ، والله أعلم .

ثم قال أهل التأويل بأجمعهم : إن القسم بها من الله تعالى ، وجائز أن يكون القسم من الرسول صلى الله عليه وسلم لكن أضاف إلى نفسه تعليما منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم برب هذه الأشياء إذا [ لم يقع ]{[20504]} التنازع بينهم وبين رسول الله تعالى ليقسم ، وإنما وضع القسم لتأكيد الخبر عند الإنكار والتنازع في ما بينهم وبين الرسل عليهم السلام .

وكذلك ما ذكر : { فلا أقسم برب المشارق والمغارب } [ المعارج : 40 ] ليس من الرسول ؛ إذ لا يحتمل أن يكون الرب عز وجل هو المقسم ، ويقول : { برب المشارق والمغارب } وظاهره{[20505]} أن يكون الرسول هو المقسم بها . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

ومن الناس من قال : إن الأقسام التي جرى ذكرها في القرآن بالأشياء التي ذكرها لو لم يكن القسم بها لكانت تلك الأشياء تؤكد ، وتوجب القسم ؛ وتؤكد أن لو وقع بها القسم ، لأن الأقسام فيه إنما جرى أكثرها في إيجاب البعث والتوحيد وإثبات الرسالة ، ونحوها وما جرى ذكرها ، لو لم يكن القسم لها لكان يوجب ما يوجب القسم ، لأن في هذه الأشياء دلالات على البعث والتوحيد والرسالة ، والله الموفق .


[20495]:انظر معجم القراءات القرآنية ح7/73.
[20496]:في الأصل و م: الكوكب.
[20497]:في الأصل و م: و.
[20498]:في الأصل و م: الكوكب.
[20499]:في الأصل و م: أو.
[20500]:من م، ساقطة من الأصل.
[20501]:في الأصل و م: أو.
[20502]:في الأصل و م: حيث.
[20503]:من نسخة الحرم المكي , ساقطة من الأصل و م.
[20504]:ساقطة من الأصل و م
[20505]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل و م: بظاهره.