التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ} (76)

وجملة { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } معترضة بين القسم وجوابه .

وضمير { إنه } عائد إلى القَسم المذكور في { لا أقسم بمواقع النجوم } ، أو عائداً إلى مواقع النجوم بتأويله بالمذكور فيكون قسم بمعنى مقسم به كما علمت آنفاً .

ويجوز أن يعود إلى المقسم عليه وهو ما تضمنه جواب القسم من قوله : { إنه لقرآن كريم } .

وجملة { لو تعلمون } معترضة بين الموصوف وصفته وهي اعتراض في اعتراض .

والعلْمُ الذي اقتضى شرطُ { لو } الامتناعية عدمَ حصوله لهم إن جعلت ضمير { إنه } عائداً على القسم هو العِلم التفصيلي بأحوال مواقع النجوم ، فإن المشركين لا يخلون من علم إجمالي متفاوت بأن في تلك المواقع عبرة للناظرين ، أو نُزّل ذلك العلم الإجمالي منزلة العدم لأنهم بكفرهم لم يجروا على موجَب ذلك العلم من توحيد الله فلو علِموا ما اشتملت عليه أحوال مواقع النجوم من متعلقات صفات الله تعالى لعلموا أنها مواقع قدسية لا يَحْلف بها إلا بارٌّ في يمينه ولكنهم بمعزل عن هذا العلم ، فإن جلالة المقسم به مما يزع الحالف عن الكذب في يمينه .

ودليل انتفاء علمهم بعظمته أنهم لم يدركوا دلالة ذلك على توحيد الله بالإِلهية فأثبوا له شركاء لم يخلقوا شيئاً من ذلك ولا ما يدانيه فتلك آية أنهم لم يدركوا ما في طي ذلك من دلائل حتى استوى عندهم خالق ما في تلك المواقع وغير خالقها .

فأما إن جعلت ضمير { وإنه لقسم } عائداً إلى المقسم عليه فالمعنى : لو تعلمون ذلك لما احتجتم إلى القسم .

وقرأ الجمهور { بمواقع } بصيغة الجمع بفتح الواو وبعدها ألف ، وقرأه حمزة والكسائي وخلق { بموقع } سكون الواو دون ألف بعدها بصيغة المفرد على أنه مصدر ميمي ، أي بوقوعها ، أي غروبها ، أو هو اسم لجهة غروبها كقوله : { رب المشرق والمغرب } [ المزمل : 9 ] .

ومفعول { تعلمون } محذوف دل عليه الكلام ، أي لو تعلمون عظمته ، أي دلائل عظمته ، ولك أن تجعل فعل { تعلمون } منزّلاً منزلة اللازم ، أي لو كان لكم علم لكنكم لا تتصفون بالعلم .