{ 42 - 46 } { اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }
لما امتن الله على موسى بما امتن به ، من النعم الدينية والدنيوية قال له : { اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ } هارون { بِآيَاتِي } أي : الآيات التي مني ، الدالة على الحق وحسنه ، وقبح الباطل ، كاليد ، والعصا ونحوها ، في تسع آيات إلى فرعون وملئه ، { وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أي : لا تفترا ، ولا تكسلا ، عن مداومة ذكري بل استمرَّا عليه ، والزماه كما وعدتما بذلك { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا } فإن ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور ، يسهلها ، ويخفف حملها .
وبعد أن ذكر - سبحانه - بعض المنن التى امتن بها على نبيه موسى - عليه السلام - أتبع ذلك بذكر بعض التوجيهات التى أمره بفعلها ، حيث كلفه بتبليغ الدعوة إلى فرعون ، فقال - تعالى - : { اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ . . . } .
وقوله - سبحانه - { وَلاَ تَنِيَا } فعل مضارع مصدره الونى - بفتح الواو وسكون النون - بمعنى الضعف والفتور والتراخى فى الأمر .
يقال : ونى فلان فى الأمر ينى ونيا - كوعد يعد وعدا - إذا ضعف وتراخى فى فعله .
وقوله : { أَخُوكَ } فاعل لفعل محذوف . أى : وليذهب معك أخوك .
والمراد بالآيات : المعجزات الدالة على صدق موسى - عليه السلام - ، ولعى رأسها عصاه التى ألقاها فإذا هى حية تسعى ، ويده التى ضمها إلى جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء .
والمعنى : اذهب يا موسى أنت وأخوك إلى حيث آمركما متسلحين بآياتى ومعجزاتى ، ولا تضعفا أو تتراخيا فى ذكرى وتسبيحى وتقديسى بما يليق بذاتى وصفاتى من العبادات والقربات . فإن ذكركما لى هو عدتكما وسلاحكما وسندكما فى كل أمر تقدمان عليه .
فالآية الكريمة تدعو موسى وهارون ، كما تدعو كل مسلم فى كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله - تعالى - فى كل موطن ، بقوة لا ضعف معها وبعزيمة صادقة لا فتور فيها ولا كلال .
وقد مدح - سبحانه - المداومين على تسبيحه وتحميده وتقديسه فى كل أحوالهم فقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ } قال صاحب الكشاف : قوله { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أنهما لا يفتران فى ذكر الله ، بل يذكران الله فى حال مواجهة فرعون ، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه ، وقوة لهما . وسلطانا كاسرا له ، كما جاء فى الحديث " إن عبدى كل عبدى الذى يذكرنى وهو مناجز قرنه " .
أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون وخاطب موسى وحده تشريفاً له ويحتمل أن هارون أوحي إليه مع ملك أن ينفذ ، و { بآياتي } معناه بعلاماتي التي أعطيتكموها من معجزة وآية ووحي وأمر ونهي كالتوراة ، و { تنيا } معناه تضعفا وتبطياً ، تقول : وَنَا فلان في أمر كذا إذا تباطأ فيه عن ضعف ومنه قول الشاعر : [ المضارع ]
فما أنا بالواني . . . ولا الضرع الغمر{[8110]}
والونى الكلال والفتور والفشل في البهائم والإنس ، وفي مصحف ابن مسعود «ولا تهنا في ذكري » معناه ولا تلينا من قولك هين لين .
رجوع إلى المقصد بعد المحاورة ، فالجملة بيان لجملة : { اذهب إلى فرعون إنه طغى } ، أو هي استئناف بياني لأن قوله : { واصطنعتُك لنفسي } [ طه : 41 ] يؤذن بأنه اختاره وأعدّه لأمر عظيم ، لأنّ الحكيم لا يتّخذ شيئاً لنفسه إلاّ مريداً جعلَه مظهراً لحكمته ، فيترقب المخاطب تعيينها ، وقد أمره هنا بالذهاب إلى فرعون وأن يذهب أخوه معه . ومعنى ذلك أنه يبلّغ أخاه أن الله أمره بمرافقته ، لأنّ هارون لم يكن حاضراً حين كلّم الله موسى في البقعة المباركة من الشجرة . ولأنه لم يكن الوقت وقت الشروع في الذهاب إلى فرعون ، فتعيّن أن الأمر لطلب حصول الذهاب المستقبل عند الوصول إلى مصر بلد فرعون وعند لقائه أخاه هارون وإبلاغه أمر الله إياه ، فقرينة عدم إرادة الفور هنا قائمة .
والباء للمصاحبة لقصد تطمين موسى بأنّه سيكون مصاحباً لآيات الله ، أي الدلائل التي تدلّ على صدقه لدى فرعون .
ومعنى { ولاَ تَنِيَا } لا تضعُفا . يقال : ونَى ينِي ونَىً ، أي ضعف في العمل ، أي لا تنِ أنت وأبلغ هارون أن لا يني ، فصيغة النهي مستعملة في حقيقتها ومجازها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.