إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱذۡهَبۡ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكۡرِي} (42)

وقوله تعالى : { اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ } أي وليذهبْ أخوك حسبما استدعيتَ ، استئنافٌ مَسوق لبيان ما هو المقصودُ بالاصطناع { بآياتي } أي بمعجزاتي التي أرَيتُكَها من اليد والعصا فإنهما وإن كانتا اثنتين لكن في كل منهما آياتٌ شتى كما في قوله تعالى : { فِيهِ آيات بينات مَّقَامُ إبراهيم } فإن انقلاب العصا حيواناً آيةٌ ، وكونَها ثعباناً عظيماً لا يقادَر قدرُه آيةٌ أخرى ، وسرعةَ حركتِه مع عِظم جِرْمه آيةٌ أخرى ، وكونَه مع ذلك مسخراً له عليه السلام بحيث كان يُدخل يده في فمه فلا يضره آيةٌ أخرى ، ثم انقلابُها عصاً آيةٌ أخرى ، وكذلك اليدُ فإن بياضها في نفسه آيةٌ وشعاعَها آيةٌ ، ثم رجوعُها إلى حالتها الأولى آيةٌ أخرى . والباء للمصاحبة لا للتعدية إذ المراد ذهابُهما إلى فرعون ملتبسين بالآيات متمسّكين بها في إجراء أحكامِ الرسالة وإكمالِ أمر الدعوة لا مجردُ إذهابِها وإيصالها إليه { وَلاَ تَنِيَا } لا تفتُرا ولا تقصّرا ، وقرئ لا تِنيا بكسر التاء للاتباع { في ذِكْرِى } أي بما يليق بي من الصفات الجليلةِ والأفعال الجميلة عند تبليغِ رسالتي والدعاءِ إليّ ، وقيل : المعنى لا تنيا في تبليغ رسالتي فإن الذكرَ يقع على جميع العبادات وهو أجلُّها وأعظمُها ، وقيل : لا تنسَياني حيثما تقلبتما واستمِدّا بذكري العونَ والتأييدَ واعلما أن أمراً من الأمور لا يتأتى ولا يتسنّى إلا بذكري .