السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱذۡهَبۡ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكۡرِي} (42)

ثم بيّن تعالى ماله اصطنعه وهو الإبلاغ والأداء بقوله تعالى : { اذهب أنت وأخوك بآياتي } أي : بمعجزاتي وقال ابن عباس : الآيات التسع التي بعث بها موسى وقيل : إنها العصا واليد لأنهما اللذان جرى ذكرهما في هذا الموضع ولم يذكر أنه عليه السلام أوتي قبل مجيئه إلى فرعون ولا بعد مجيئه حتى لقي فرعون فالتمس منه آية غير هاتين الآيتين قال تعالى حكاية عن فرعون : { إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين 106 فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين 107 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } [ الأعراف : 106 ، 107 ، 108 ] وقال تعالى : { برهانان من ربك إلى فرعون وملئه } [ القصص ، 32 ] فإن قيل : كيف أطلق لفظ الجمع على الاثنين ؟ أجيب : بأنّ العصا كانت آيات انقلابها حيواناً ثم إنها في أوّل الأمر كانت صغيرة لقوله تعالى : { تهتز كأنها جانّ } ثم كانت تعظم وهذه آية أخرى ثم كانت تصير ثعباناً وهذه آية أخرى ثم إنه عليه السلام كان يدخل يده في فمها فما كانت تضرّه فهذه آية أخرى ثم كانت تنقلب خشبة فهذه آية أخرى وكذلك اليد فإنّ بياضها آية وشعاعها آية أخرى ثم زوالها بعد ذلك آية أخرى فدل ذلك على أنها كانت آيات كثيرة .

وقيل : الآيات العصا واليد وحلّ عقدة لسانه وقيل : معناه أمدّكما بآياتي وأظهر على أيديكما من الآيات ما تنزاح به العلل من فرعون وقومه { ولا تنيا } أي : لا تفترا ولا تقصرا { في ذكري } أي : بتسبيح وغيره فإنّ من ذكر جلال الله استخف غيره فلا يخاف أحداً وتقوى روحه بذلك الذكر فلا تضعف في مقصوده ، ومن ذكر الله لا بدّ وأن يكون ذاكر إحسانه ، وذاكر إحسانه لا يفتر في أداء أوامره وقيل : { لا تنيا في ذكرى } عند فرعون بأن تذكرا لفرعون وقومه أنّ الله لا يرضى منهم الكفر وتذكرا لهم أمر الثواب والعقاب والترغيب والترهيب وقيل : المراد بالذكر تبليغ الرسالة .