الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱذۡهَبۡ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكۡرِي} (42)

قوله : { وَلاَ تَنِيَا } : يقال : وَنى يَني وَنْياً كوَعَدَ/ يَعِد وَعْداً إذا فَتَرو . . . والوَنْيُ الفُتور . ومنه امرأةٌ أَناة ، وصفوها بفُتور القيام كناية عن ضَخامتها قال :

مِنَّا الأَناةُ وبعضُ القومِ يَحْسَبُنا *** أَنَّا بِطاءٌ وفي إبطائِنا سَرَعُ

والأصل وَناة . فأبدلوا الهمزة من الواو كأَحَد في وَحَد . وليس بالقياس ، وفي الحديث : " إن فيك لخَصْلتين يحبهما الله : الحِلْمُ والأناة " .

والواني : المقصِّرُ في أمره . قال الشاعر :

3290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فما أنا بالواني ولا الضِّرَعِ الغُمْرِ

وونى فعلٌ لازمٌ لا يتعدى ، وزعم بعضهم أنه يكون مِنْ أخواتِ زَال وانفك فيعمل بشرط النفيِ أو شبهِه عَمَلَ كان فيقال : " ما وَنى زيدٌ قائماً " أي : مازال قائماً . وأنشد الشيخُ جمالُ الدين بنُ مالكٍ شاهداً على ذلك قول الشاعر :

لا يَنِيْ الحُبُّ شِيْمةَ الحِبِّ ما دا *** مَ فلا تَحْسَبَنَّه ذا ارْعِواءِ

أي لا يزال الحُبُّ أي بضم الحاء شيمةَ الحِبِّ أي بكسرِها وهو المُحِبُّ . ومَنْ منع ذلك يتأوَّلُ البيتَ على حَذْفِ حرفِ الجرِّ ؛ فإنَّ هذا الفعلَ يتعدَّى تارةً ب عَنْ وتارة ب في . يُقال : ما وَنَيْتُ عن حاجتك أو في حاجتك . فالتقدير : لا يَفْتُرُ الحُبُّ في شِيمة المُحِبِّ وفيه مجازٌ بليغ . وقد عُدِّيَ في الآيةِ الكريمة ب في .

وقرأ يحيى بنُ وثَّاب " ولا تِنِيا " بكسر التاء إتباعاً لحركةِ النون . وسَكَّن الياءَ مِنْ " ذِكْرِيْ " . . . . . . .