وقد ورد - سبحانه - عليهم ردا يحمل لهم التهديد والوعيد ، فقال - تعالى - : { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر } .
أى : سيعلم هؤلاء الكافرون ، فى الغد القريب يوم ينزل بهم العذاب المبين ، من هو الكذاب فى أقواله ، ومن هو المغرور المتكبر على غيره ، أصالح - عليه السلام - أم هم ؟ !
والتعبير بالسين فى قوله { سَيَعْلَمُونَ } لتقريب مضمون الجملة وتأكيده .
والمراد بقوله : { غَداً } الزمن المستقبل القريب الذى سينزل فيه العذاب عليهم . .
وبينما يجري السياق على أسلوب الحكاية لقصة غبرت في التاريخ . . يلتفت فجأة وكأنما الأمر حاضر . والأحداث جارية . فيتحدث عما سيكون . ويهدد بهذا الذي سيكون :
( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) !
وهذه إحدى طرق العرض القرآنية للقصص . وهي طريقة تنفخ روح الحياة الواقعية في القصة ، وتحيلها من حكاية تحكى ، إلى واقعة تعرض على الأنظار ، يترقب النظارة أحداثها الآن ، ويرتقبونها في مقبل الزمان !
( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) . . وسيكشف لهم الغد عن الحقيقة . ولن يكونوا بمنجاة من وقع هذه الحقيقة . فستكشف عن البلاء المدمر للكذاب الأشر !
وقوله : سَيَعْلَمُونَ غَدا مَنِ الكَذّابُ الأَشِرُ يقول تعالى ذكره : قال الله لهم : ستعلمون غدا في القيامة من الكذّاب الأشر منكم معشر ثمود ، ومن رسولنا صالح حين تردون على ربكم ، وهذا التأويل تأويل من قرأه «سَتَعْلَمُونَ » بالتاء ، وهي قراءة عامة أهل الكوفة سوى عاصم والكسائي . وأما تأويل ذلك على قراءة من قرأه بالياء ، وهي قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وعاصم والكسائي ، فإنه قال الله : سَيَعْلَمُونَ غَدا مَنِ الكَذّابُ الأشِرُ وترك من الكلام ذكر قال الله ، استغناء بدلالة الكلام عليه .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، لتقارب معنييهما ، وصحتهما في الإعراب والتأويل .
{ سيعلمون غدا } عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة . { من الكذاب الأشر } الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه ؟ وقرأ ابن عامر وحمزة ورويس ستعلمون على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح ، وقرئ " الأشر " كقولهم حذر في حذر و " الأشر " أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير .
{ سيعلمون غداً من الكذاب الأشر }وهذه بالياء من تحت قراءة علي بن أبي طالب وجمهور الناس . وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم{[10782]} وابن وثاب وطلحة والأعمش «ستعلمون » بالتاء على معنى قل لهم يا صالح .
وقوله : { غداً } تقريب يريد به الزمان المستقبل ، لا يوماً بعينه ، ونحو المثل : " مع اليوم غد " {[10783]} .
وقرأ جمهور الناس : «الأشِر » بكسر السين كحذِر بكسر الذال . وقرأ مجاهد فيما ذكر عنه الكسائي : «الأشُر » بضم الشين كحذُر بضم الذال ، وهما بناءان من اسم فاعل . وقرأ أبو حيوة : «الأشَر » بفتح الشين ، كأنه وصف بالمصدر . وقرأ أبو قلابة : «الأشَرّ » بفتح الشين وشد الراء ، وهو الأفعل ، ولا يستعمل بالألف واللام وهو كان الأصل لكنه رفض تخفيفاً وكثرة استعمال .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"سَيَعْلَمُونَ غَدا مَنِ الكَذّابُ الأَشِرُ "يقول تعالى ذكره: قال الله لهم: ستعلمون غدا في القيامة من الكذّاب الأشر منكم معشر ثمود، ومن رسولنا صالح حين تردون على ربكم، وهذا التأويل تأويل من قرأه «سَتَعْلَمُونَ» بالتاء، وهي قراءة عامة أهل الكوفة سوى عاصم والكسائي. وأما تأويل ذلك على قراءة من قرأه بالياء، وهي قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وعاصم والكسائي، فإنه قال الله: "سَيَعْلَمُونَ غَدا مَنِ الكَذّابُ الأشِرُ" وترك من الكلام ذكر قال الله، استغناء بدلالة الكلام عليه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ستعلمون غدا عند نزول العذاب بكم من الكذّاب أنا أو أنتم، وهذا وعيد منه لهم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{غداً} تقريب يريد به الزمان المستقبل، لا يوماً بعينه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) وسيكشف لهم الغد عن الحقيقة. ولن يكونوا بمنجاة من وقع هذه الحقيقة. فستكشف عن البلاء المدمر للكذاب الأشر!
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{سَيَعْلَمُونَ غَداً} عندما يقفون جميعاً أمام الله ليواجهوا الحقيقة الحاسمة {مَّنِ الْكَذَّابُ الاْشِرُ} ليكتشفوا أن هذه الصفة تنطبق على كل فردٍ منهم، لا على الرسول.