وأقسم - سبحانه - خامسا - بقوله : { والليل إِذَا يَسْرِ } أى : وحق الليل عندما يسرى ويمضى ، تاركا من خلفه ظلامه ، ليحل محله النهار بضيائه .
أو المعنى : وحق الليل وقت أن يَسْرِى فيه السارون ، بعد أن أخذوا حظهم من النوم ، فإسناد السُّرَى إلى الليل على سبيل المجاز ، كما فى قولهم : ليل نائم ، أى : ينام فيه الناس ، وقرأ الجمهور { يسر } بحذف الياء وصلا وقفا ، اكتفاء عنها بالكسرة تخفيفا .
وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء عند الوصل ، وبحذفها عند الوقف .
والمراد بالليل هنا : عمومه ، وقيل : المراد به هنا : ليلة القدر ، أو ليلة المزدلفة
" والليل إذا يسر " . . والليل هنا مخلوق حي ، يسري في الكون ، وكأنه ساهر يجول في الظلام ! أو مسافر يختار السرى لرحلته البعيدة ! يا لأناقة التعبير ! ويا لأنس المشهد ! ويا لجمال النغم ! ويا للتناسق مع الفجر ، والليالي العشر . والشفع والوتر !
إنها ليست ألفاظا وعبارات . إنما هي أنسام من أنسام الفجر ، وأنداء مشعشعة بالعطر ! أم إنه النجاء الأليف للقلب ؟ والهمس اللطيف للروح ؟ واللمس الموحي للضمير ؟
إنه الجمال . . الجمال الحبيب الهامس اللطيف . الجمال الذي لا يدانيه جمال التصورات الشاعرية الطليقة . لأنه الجمال الإبداعي ، المعبر في الوقت ذاته عن حقيقة .
وقوله : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } {[30034]} قال العوفي ، عن ابن عباس : أي إذا ذهب .
وقال عبد الله بن الزبير : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } حتى يذهب بعضه بعضا .
وقال مجاهد ، وأبو العالية ، وقتادة ، ومالك ، عن زيد بن أسلم وابن زيد : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } إذا سار .
وهذا يمكن حمله على ما قاله ابن عباس ، أي : ذهب . ويحتمل أن يكون المراد إذا سار ، أي : أقبل . وقد يقال : إن هذا أنسب ؛ لأنه في مقابلة قوله : { وَالْفَجْرِ } فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل ، فإذا حمل قوله : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ }{[30035]} على إقباله كان قَسَمًا بإقبال الليل وإدبار النهار ، وبالعكس ، كقوله : { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [ التكوير : 17 ، 18 ] . وكذا قال الضحاك : { [ وَاللَّيْلِ ] إِذَا يَسْرِ }{[30036]} أي : يجري .
وقال عكرمة : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } يعني : ليلة جَمْع . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو قال : سمعت محمد بن كعب القرظي ، يقول في قوله : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } قال : اسر يا سار ولا تبيتن إلا بجَمْع .
وقوله : وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول : والليل إذا سار فذهب ، يقال منه : سرى فلان ليلاً يَسْرِي : إذا سار .
وقال بعضهم : عُنِي بقوله وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ ليلة جَمْع ، وهي ليلة المزدلفة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمر بن قيس ، عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزبير وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ حتى يُذْهِب بعضه بعضا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول : إذا ذهب .
حدثني محمد بن عُمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : إذا سار .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : والليل إذا سار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ يقول : إذا سار .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : إذا سار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : الليل إذا يسير .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرِمة وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ قال : ليلة جمع .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الشام والعراق يَسْرِ بغير ياء . وقرأ ذلك جماعة من القرّاء بإثبات الياء وحذف الياء في ذلك أعجب إلينا ، ليوفق بين رؤوس الاَي إذ كانت بالراء . والعرب ربما أسقطت الياء في موضع الرفع مثل هذا ، اكتفاء بكسرة ما قبلها منها ، من ذلك قول الشاعر :
لَيْسَ تَخْفَى يَسارَتِي قَدْرَ يَوْمٍ *** وَلَقَدْ تُخْفِ شِيمَتِي إعْسارِي
والليل إذا يسر إذا يمضي كقوله والليل إذا أدبر والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة أو يرى فيه من قولهم صلى المقام وحذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفا وقد خصه نافع وأبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذفها ابن كثير ويعقوب أصلا وقرئ يسر بالتنوين المبدل من حرف الاطلاق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.