وقوله - سبحانه - { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله } بيان لشدة إخلاصهم ، ولطهارة نفوسهم ، وهو مقول لقول محذوف أى : يقدمون الطعام لهؤلاء المحتاجين مع حبهم لهذا الطعام ، ومع حاجتهم إليه . . ثم يقولون لهم بلسان الحال أو المقال : إنما نطعمكم ابتغاء وجه الله - تعالى - وطلبا لمئويته ورحمته .
{ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } أى : لا نريد منكم جزاء على ما قدمناه لكم ، ولا نريد منكم شكرا على ما فعلناه ، فإننا لا نلتمس ذلك إلا من الله - تعالى - خالقنا وخالقكم .
( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا . إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) . .
فهي الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة ، تتجه إلى الله تطلب رضاه . ولا تبتغي بها جزاء من الخلق ولا شكرا ، ولا تقصد بها استعلاء على المحتاجين ولا خيلاء . كما تتقي بها يوما عبوسا شديد العبوس ، تتوقعه وتخشاه ، وتتقيه بهذا الوقاء . وقد دلهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عليه وهو يقول : " اتق النار ولو بشق تمرة " . .
وقد كان إطعام الطعام هكذا مباشرة هو وسيلة التعبير عن هذه العاطفة النبيلة الكريمة ، ووسيلة الإشباع لحاجات المحاويج . ولكن صور الإحسان ووسائله قد تتغير بحسب البيئات والظروف ، فلا تظل في هذه الصورة البدائية المباشرة . إلا أن الذي يجب الاحتفاظ به هو حساسية القلوب ، وحيوية العاطفة ، والرغبة في الخير ابتغاء وجه الله ، والتجرد عن البواعث الأرضية من جزاء أو شكر أو نفع من منافع الحياة !
ولقد تنظم الضرائب ، وتفرض التكاليف ، وتخصص للضمان الاجتماعي ، ولإسعاف المحاويج ، ولكن هذا إنما يفي بشطر واحد من مزايا الاتجاه الإسلامي الذي ترمز إليه تلك الآيات ، والذي توخاه بفريضة الزكاة . . هذا الشطر هو كفاية حاجة المحتاجين . . هذا شطر . . والشطر الآخر هو تهذيب أرواح الباذلين ، ورفعها إلى ذلك المستوى الكريم . وهو شطر لا يجوز إغفاله ولا التهوين من شأنه فضلا على أن تنقلب المعايير فيوصم ويقبح ويشوه ، ويقال : إنه إذلال للآخذين وإفساد للواهبين .
إن الإسلام عقيدة قلوب ، ومنهج تربية لهذه القلوب . والعاطفة الكريمة تهذب صاحبها وتنفع من يوجهها إليه من إخوانه . فتفي بشطري التربية التي يقصد إليها هذا الدين .
وقوله : إنمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ يقول تعالى ذكره : يقولون : إنما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه الله ، يعنون طلب رضا الله ، والقُربة إليه لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورَا يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام : لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثوابا ولا شكورا .
وفي قوله : وَلا شُكُورا وجهان من المعنى : أحدهما أن يكون جمع الشكر كما الفُلوس جمع فَلس ، والكفور جمع كُفْر . والاَخر : أن يكون مصدرا واحدا في معنى جمع ، كما يقال : قعد قعودا ، وخرج خروجا . وقد :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سالم ، عن مجاهد إنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورا قال : أما إنهم ما تكلموا به ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح ، عن سالم ، عن سعيد بن جُبير إنّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورا قال : أما والله ما قالوه بألسنتهم ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب .
وقوله تعالى : { إنما نطعمكم لوجه الله } المعنى يقولون لهم عند الإطعام ، وهذا إما أن يكون المطعم يقول ذلك نصاً فحكي ذلك . وإما أن يكون لك مما يقال في الأنفس وبالنية فمدح بذلك ، هذا هو تأويل ابن مجاهد وابن جبير ، وقرأ أبو عمرو في رواية عباس بجزم الميم من «نطعمْكم »{[11512]} ، قال أبو علي أسكن تخفيفاً ، و «الشكور » : مصدر الشكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.