اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا} (9)

قوله { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله } على إضمار القول ، أي : يقولون بألسنتهم لليتيم والمسكين والأسير إنما نطعمكم في الله - جل ثناؤه - فزعاً من عذابه وطمعاً في ثوابه { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } أي : ولا تثنوا علينا بذلك .

قال ابن عباس : كذلك كانت نيَّاتهم في الدنيا حين أطعموا{[58871]} .

وعن مجاهد : أما إنهم ما تكلموا به ، ولكن علمه الله منهم ، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب{[58872]} .

قيل : هذه الآيات نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفى به .

وقيل : نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر ، وهم سبعة من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعيد ، وأبو عبيدة - رضي الله عنهم - ذكره الماوردي .

وقال مقاتل : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكيناً ، ويتيماً ، وأسيراً{[58873]} .

وقيل : نزلت في علي وفاطمة - رضي الله عنهما - وجارية لهما اسمها فضة .

قال القرطبي{[58874]} : نزلت في جميع الأبرار ، ومن فعل فعلاً حسناً ، فهي عامة ، وما ذكر عن عليٍّ ، وفاطمة لا يصح .

وروى جابر الجعفي في قوله تعالى : { يُوفُونَ بالنذر } ، عن قنبر مولى علي - رضي الله عنه - قال : مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا أبا الحسن لو نذرت عن ولديك نذراً ، فقال عليٌّ - رضي الله عنه - إن برأ ولدي صمت ثلاثة أيام شكراً .

وقالت فاطمة - رضي الله عنها - مثل ذلك ، وقال الحسن والحسين مثل ذلك وذكر الحديث . قال أهل الحديث : جابر الجعفي كذاب .

فصل في الإحسان إلى الغير

قال ابن الخطيب{[58875]} : اعلم أن الإحسان إلى الغير تارة يكون لأجل الله ، وتارة يكون لغير الله ، إما طلباً لمكافأة أو طلباً لحمدٍ وثناء ، وتارة يكون لهما ، وهذا هو الشرك ، والأول هو المقبول عند الله ، وأما القسمان الباقيان فمردودان ، قال تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى كالذي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ الناس } [ البقرة : 264 ] .

وقال تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون } [ الروم : 39 ] ، ولا شك أن التماس الشكر من جنس المنّ والأذى ، إذا عرفت ذلك فنقول : القوم لما قالوا : «إنَّما نُطعِمكُمْ لوجْهِ اللهِ » بقي فيه احتمال ، أنه أطعمه لوجه الله ولسائر الأغراض على سبيل التشريك ، فلا جرم نفى هذا الاحتمال بقوله تعالى : { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } .

فصل في الشكر والكفور

الشُّكور والكُفور : مصدران ك «الشكر والكفر » وهو على وزن «الدُّخول والخُروج » هذا قول جمهور أهل اللغة .

وقال الأخفش : إن شئت جعلت الشكور ، جماعة الشكر ، وجعلت الكفور في قوله تعالى : { فأبى الظالمون إَلاَّ كُفُوراً } مثل «برد وبرود » وإن شئت جعلته مصدراً واحداً في معنى جمع مثل : قعد قعوداً ، وخرج خروجاً .


[58871]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/84).
[58872]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/361) عن مجاهد.
[58873]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/84).
[58874]:الجامع لأحكام القرآن 19/85.
[58875]:الفخر الرازي 30/218.