نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا} (9)

{ إنما نطعمكم } أيها المحتاجون { لوجه الله } أي لذات الملك الذي استجمع الجلال والإكرام لكونه أمرنا{[70610]} بذلك ، وعبر به لأن الوجه{[70611]} يستحى منه ويرجى ويخشى عند رؤيته .

ولما أثبتوا بهذا الإخلاص ، حققوه بنفي ما يغير فيه ، وفسروه بما لا يكون إلا به فقالوا : { لا نريد منكم } أي لأجل ذلك { جزاء } أي لنا من أعراض الدنيا { ولا شكوراً * } بشيء من قول{[70612]} ولا فعل ، وكأنه اختير هذا المصدر المزيد-{[70613]} كالدخول والخروج والقعود إيماءً إلى أن المنفي ما يتكلف له ، وأما مثل المحبة والدعاء فلا ، ولو أرادوا شيئاً من ذلك لما كان لله ، وروي{[70614]} في سبب نزول هذه الآية : " أن علياً وابنيه وأمهما فاطمة رضي الله عنهم أجمعين آثروا على أنفسهم ثلاثة أيام ، وأصبحوا الرابع يرتعشون ، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ساءه ذلك ، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه السورة مهنئاً{[70615]} له بها " ولا يستبعد الصبر على الجوع هذه المدة لأنه ربما كانت للنفس هيئة قوية من استغراق في محبة الله تعالى أو غير ذلك ، فهبطت إلى البدن فشغلت الطبيعة عن تحليل الأجزاء فلا يحصل الجوع كما أنا نشاهد الإنسان يبقى في المرض الحاد مدة من غير تناول شيء من غذاء ولا يتأثر بدنه لذلك ، فلا بدع أن تقف-{[70616]} الأفعال الطبيعية في حق بعض السالكين وهو أحد القولين في قول النبي صلى الله عليه وسلم " إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " .


[70610]:من ظ، وفي الأصل و م: آمرا.
[70611]:زيد في م: الذي.
[70612]:من ظ و م، وفي الأصل: القول.
[70613]:زيد من ظ و م.
[70614]:راجع أيضا المعالم 7/159.
[70615]:في ظ: مرسلا.
[70616]:من ظ و م، وفي الأصل: أحد.