المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

135- ولكنهم لا ينفكون يمعنون في لجاجهم ، ويزعم كل فريق منهم أن ملته هي الملة المثلى ، فيقول لكم اليهود : كونوا يهوداً تهتدوا إلى الطريق القويم ، ويقول النصارى : كونوا نصارى تهتدوا إلى الحق المستقيم ، فلتردوا عليهم بأننا لا نتبع هذه الملة ولا تلك ، لأن كلتيهما قد حُرِّفَتْ وخرجت عن أصولها الصحيحة ، ومازجها الشرك ، وبعدت عن ملة إبراهيم ، وإنما نتبع الإسلام الذي أحيا ملة إبراهيم نقية طاهرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

{ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

أي : دعا كل من اليهود والنصارى المسلمين إلى الدخول في دينهم ، زاعمين أنهم هم المهتدون وغيرهم ضال .

قل له{[102]}  مجيبا جوابا شافيا : { بَلْ } نتبع { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } أي : مقبلا على الله ، معرضا عما سواه ، قائما بالتوحيد ، تاركا للشرك والتنديد .

فهذا الذي في اتباعه الهداية ، وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية .


[102]:- في ب: قال له.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

ثم حكى القرآن بعد ذلك لوناً من ألوان مزاعم أهل الكتاب ورد عليها بما يبطلها فقال : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ . . . }

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا - يا محمد - تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله - عز وجل - { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } .

ومعنى الآية الكريمة : وقالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين اتركوا دينكم واتبعوا ديننا تهتدوا وتصيبوا طريق الحق . وقالت النصارى مثل ذلك قل لهم - يا محمد - ليس الهدى في اتباع ملتكم ، بل الحق في أن نتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ، فانبعوا أنتم - يا معشر أهل الكتاب - ما اتبعناه لتكونوا حقاً سالكين ملة إبراهيم الذي لا تنازعون في هداه .

وقوله تعالى : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ } حكاية لما زعمه كل من فريقي اليهود والنصارى من أن الهدى في اتباع ملتهم .

و ( أو ) للتنويع ، أي قال اليهود لغيرهم لا دين إلا اليهودية ولا يتقبل الله سواها ، فاتبعوها تهتدوا . وقال النصارى لغيرهم كونوا نصارى تهتدوا ، إلا أن القرآن الكريم ساق هذا المعنى بقوله : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ } لمعرفة السامع أن كل فريق منهم يكفر الآخر ، ويعد ديانته باطلة ، كما حكى القرآن عنهم ذلك في قوله تعالى : { وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود } ثم لقن الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم الرد الملزم لهم ، فقال تعالى : { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } .

الملة : الدين ، والحنيف في الأصل المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق ووصف به إبراهيم - عليه السلام - لميله عن الأديان الباطلة التي كانت موجودة في عهده إلى الدين الحق الذي أوحى الله به إليه .

وذهب بعض المفسرين إلى أن حنيفاً من الحنف وهو الاستقامة .

قال الإِمام الرازي : " لأهل اللغة في الحنيف قولان :

الأول : أن الحنيف هو المستقيم ، ومنه قيل للأعرج أحنف تفاؤلا بالسلامة ، كما قالوا للديغ سليم وللمهلكة مفازة ، قالوا فكل من أسلم لله ولم ينحرف عنه في شيء فهو حنيف ، وهو مروى عن محمد بن كعب القرظي .

الثاني : أن الحنيف المائل ، لأن الأحنف هو الذي يميل كل واحد من قدميه إلى الأخرى بأصابعها . وتحنف إذا مال ، فالمعنى : إن إبراهيم - عليه السلام - حنف إلى دين الله ، أي مال إليه ، فقوله : { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } أي : مخالفاً لليهود والنصارى .

والمعنى : قل يا محمد لليهود ليس الهدى في أن نتبع ملتكم ، بل الهدى في أن نتبع ملة إبراهيم المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق ، والذي ما كان من المشركين بأي صورة من صور الشرك " .

وقوله تعالى : { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } أي : بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً . وقد تضمن هذا القول إبطال ما ادعاه كل من اليهود والنصارى ، لأن حرف ( بل ) يؤتي به في صدر الكلام لينفى ما تضمنته الجملة السابقة ، والجملة السابقة هنا هي قول أهل الكتاب { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ } فجاءت بل بعد ذلك لتنفي هذا القول ، ولتثبت أن الهداية إنما هي في اتباع ما كان عليه إبراهيم - عليه السلام - وفي اتباع من سار على نهجه وهو محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي هاتين الجملتين وهما قوله تعالى : { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } . { وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } دعوة لليهود إلى اتباع ملة إبراهيم لاستقامتها ، ولبعدها عن الشرك ، وفي ذلك تعريض بأن ملتهم ليست مستقيمة ، بل هي معوجة ، وبأن دعواهم اتباع إبراهيم لا أساس لها من الصحة ؛ لأنهم أشركوا مع الله آلهة أخرى ، ونسبوا إلى الله تعالى ما لا يليق به .

قال الإِمام الرازي - ما ملخصه : في الآية الكريمة جواب إلزامي لهم وهو قوله تعالى : { بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } وتقرير هذا الجواب : أنه إن كان طريق الدين التقليد ، فالأولى في ذلك اتباع ملة إبراهيم لأن هؤلاء المختلفين قد انفقوا على صحة دين إبراهيم ، والأخذ بالمتفق عليه ، أولى من الأخذ بالمختلف فيه .

وإن كان طريقه الاستدلال والنظر . فقد سقنا الكثير من الدلائل على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الموافق لما جاء به إبراهيم - عليه السلام - في أصول الدين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

124

في ظل هذا البيان التاريخي الحاسم ، لقصة العهد مع إبراهيم : وقصة البيت الحرام كعبة المسلمين ؛ ولحقيقة الوراثة وحقيقة الدين ؛ يناقش ادعاءات أهل الكتاب المعاصرين ، ويعرض لحججهم وجدلهم ومحالهم ، فيبدو هذا كله ضعيفا شاحبا ، كما يبدو فيه العنت والادعاء بلا دليل : كذلك تبدو العقيدة الإسلامية عقيدة طبيعية شاملة لا ينحرف عنها إلا المتعنتون :

( وقالوا : كونوا هودا أو نصارى تهتدوا . قل : بل ملة إبراهيم حنيفا ، وما كان من المشركين . قولوا : آمنا بالله ، وما أنزل إلينا ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله ، وهو السميع العليم . صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ؟ ونحن له عابدون . قل : أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ، ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، ونحن له مخلصون ؟ . أم تقولون : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ؟ قل : أأنتم أعلم أم الله ؟ ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ؟ وما الله بغافل عما تعملون ) . .

وإنما كان قول اليهود : كونوا يهودا تهتدوا ؛ وكان قول النصارى : كونوا نصارى تهتدوا . فجمع الله قوليهم ليوجه نبيه [ ص ] أن يواجههم جميعا بكلمة واحدة :

( قل : بل ملة إبراهيم حنيفا ، وما كان من المشركين ) . .

قل : بل نرجع جميعا ، نحن وأنتم ، إلى ملة إبراهيم ، أبينا وأبيكم ، وأصل ملة الإسلام ، وصاحب العهد مع ربه عليه . . ( وما كان من المشركين ) . . بينما أنتم تشركون . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : { وَقالُوا كُونُوا هُودا أوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } ، وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين : كونوا هودا تهتدوا ، وقالت النصارى لهم : كونوا نصارى تهتدوا . تعني بقولها تهتدوا : أي تصيبوا طريق الحقّ . كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة جميعا ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال عبد الله بن صُوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تَهْتَدِ وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله عزّ وجل فيهم : { وَقَالُوا كُونُوا هُودا أوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ } .

احتجّ الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها ، وعلمها محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد قل للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك : كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي تجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به ، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة ، وندع سائر الملل التي نختلف فيها فينكرها بعضنا ويقرّ بها بعضنا ، فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا على الاجتماع عليه كما لنا السبيل إلا الاجتماع على ملة إبراهيم .

وفي نصب قوله : { بَلْ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ } أوجه ثلاثة : أحدها أن يوجه معنى قوله : { وَقَالُوا كُونُوا هُودا أوْ نَصَارَى } إلى معنى : وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية ، لأنهم إذ قالوا : كونوا هودا أو نصارى إلى اليهودية والنصرانية دعوهم ، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة ، فيكون معنى الكلام حينئذ : قل يا محمد لا نتبع اليهودية والنصرانية ، ولا نتخذها ملة ، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا ، ثم يحذف «نتبع » الثانية ، ويعطف بالملة على إعراب اليهوية والنصرانية . والاَخر أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى نتبع . والثالث أن يكون أُرِيدَ : بل نكون أصحاب ملة إبراهيم ، أو أهل ملة إبراهيم ثم حذف «الأهل » و«الأصحاب » ، وأقيمت «الملة » مقامهم ، إذ كانت مؤدّية عن معنى الكلام ، كما قال الشاعر :

حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتِي عَنَاقا ومَا هِيَ وَيْبَ غَيْركَ بالعَنَاقِ

يعني صوت عناق ، فتكون الملة حينئذ منصوبة عطفا في الإعراب على اليهود والنصارى . وقد يجوز أن يكون منصوبا على وجه الإغراء ، باتباع ملة إبراهيم . وقرأ بعض القرّاء ذلك رفعا ، فتأويله على قراءة من قرأ رفعا : بل الهدى ملة إبراهيم .

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ } .

والملة : الدين . وأما الحنيف : فإنه المستقيم من كل شيء . وقد قيل : إن الرجل الذي تُقْبل إحدى قدميه على الأخرى إنما قيل له أحنف نظرا له إلى السلامة ، كما قيل للمهلكة من البلاد : المفازة ، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة وكما قيل للّديغ : السليم ، تفاؤلاً له بالسلامة من الهلاك ، وما أشبه ذلك .

فمعنى الكلام إذا : قل يا محمد بل نتبع ملة إبراهيم مستقيما . فيكون الحنيف حينئذ حالاً من إبراهيم .

وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : الحنيف : الحاجّ . وقيل : إنما سمي دين إبراهيم الإسلام الحنيفية ، لأنه أوّل إمام لزم العبادَ الذين كانوا في عصره والذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة أتباعُه في مناسك الحجّ ، والائتمام به فيه . قالوا : فكلّ من حجّ البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملته ، فهو حنيف مسلم على دين إبراهيم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا القاسم بن الفضل ، عن كثير أبي سهل ، قال : سألت الحسن عن الحنيفية ، قال : حجّ البيت .

حدثني محمد بن عبادة الأسدي ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية في قوله : حَنِيفا قال : الحنيف : الحاجّ .

حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، عن الفضيل ، عن عطية مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سالم ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، قال : الحنيف : الحاجّ .

حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن التيمي ، عن كثير بن زياد ، قال : سألت الحسن عن الحنيفية ، قال : هو حجّ هذا البيت قال ابن التيمي : وأخبرني جويبر ، عن الضحاك بن مزاحم مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن مجاهد : { حُنَفَاءَ } قال : حجاجا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : { حَنِيفا }قال : حاجّا .

حدثت عن وكيع ، عن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن القاسم ، قال : كان الناس من مُضَر يحجون البيت في الجاهلية يسمون حنفاء ، فأنزل الله تعالى ذكره : { حُنَفَاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } .

وقال آخرون : الحنيف : المتبع ، كما وصفنا قَبْلُ من قول الذين قالوا : إن معناه الاستقامة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { حُنَفَاءَ }قال : متبعين .

وقال آخرون : إنما سمي دين إبراهيم الحنيفية ، لأنه أوّل إمام سنّ للعباد الختان ، فاتبعه من بعده عليه . قالوا : فكل من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم ، فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام ، فهو حنيف على ملة إبراهيم .

وقال آخرون : بل ملة إبراهيم حنيفا ، بل ملة إبراهيم مخلصا ، فالحنيف على قولهم : المخلص دِينَهُ لله وحده . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَاتّبعْ مِلّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفا }يقول : مخلصا .

وقال آخرون : بل الحنيفية الإسلام ، فكل من ائتمّ بإبراهيم في ملته فاستقام عليها فهو حنيف .

قال أبو جعفر : الحنيف عندي هو الاستقامة على دين إبراهيم واتباعه على ملته . وذلك أن الحنيفية لو كانت حجّ البيت ، لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء ، وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفا بقوله : { وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفا مُسْلِما وَما كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ } فكذلك القول في الختان لأن الحنيفية لو كانت هي الختان لوجب أن يكون اليهود حنفاء ، وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله : { ما كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلا نَصْرَانِيّا ، وَلَكِنْ كانَ حَنِيفا مُسْلِما } . فقد صحّ إذا أن الحنيفية ليست الختان وحده ، ولا حجّ البيت وحده ، ولكنه هو ما وصفنا من الاستقامة على ملة إبراهيم واتباعه عليها والائتمام به فيها .

فإن قال قائل : فكيف أضيف «الحنيفية » إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم ؟ قيل : إن كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفا متبعا طاعة الله ، ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل أحدا منهم إماما لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة ، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم ، فجعله إماما فيما بينه من مناسك الحجّ والختان ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، تعبدا به أبدا إلى قيام الساعة ، وجعل ما سنّ من ذلك عَلَما مميزا بين مؤمني عباده وكفارهم والمطيع منهم له والعاصي ، فسمي الحنيف من الناس حنيفا باتباعه ملته واستقامته على هديه ومنهاجه ، وسمي الضالّ عن ملته بسائر أسماء الملل ، فقيل : يهودي ونصراني ومجوسي ، وغير ذلك من صنوف الملل .

وأما قوله : { وَما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ } يقول : إنه لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان والأصنام ، ولا كان من اليهود ، ولا من النصارى ، بل كان حنيفا مسلما .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى } الضمير الغائب لأهل الكتاب وأو للتنويع ، والمعنى مقالتهم أحد هذين القولين . قالت اليهود كونوا هودا . وقال النصارى كونوا نصارى { تهتدوا } جواب الأمر . { قل بل ملة إبراهيم } أي بل تكون ملة إبراهيم ، أي أهل ملته ، أو بل نتبع ملة إبراهيم . وقرئ بالرفع أي ملته ملتنا ، أو عكسه ، أو نحن ملته بمعنى نحن أهل ملته . { حنيفا } مائلا عن الباطل إلى الحق . حال من المضاف ، أو المضاف إليه كقوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا } . { وما كان من المشركين } تعريض بأهل الكتاب وغيرهم ، فإنهم يدعون اتباعه وهم مشركون .