غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

135

التفسير : إنه تعالى لما بين بالدلائل المتقدمة صحة دين الإسلام ، ذكر أنواعاً من شبه الطاعنين منها : أن اليهود قالوا { كونوا هوداً } تهتدوا ، والنصارى قالوا كذلك ، لما علم من التعادي بين الفريقين كما بين كل منهما وبين المسلمين وقد مر مثل هذا في قوله تعالى { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } [ البقرة : 111 ] فأجابهم الله بقوله { قل بل ملة إبراهيم } أي نكون أهل ملته مثل { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] أي أهلها ، أو بل نتبع ملة إبراهيم وقرئ بالرفع أي ملتنا أو أمرنا ملته أو نحن أهل ملته ، وحنيفاً حال من المضاف إليه كقولك " رأيت وجه هند قائمة " وذلك أن المضاف إليه متضمن للحرف فيقتضي متعلقاً هو الفعل أو شبهه ، وحينئذ يشتمل على فاعل ومفعول . فالحال عن المضاف إليه ترجع في التحقيق إلى الحال عن أحدهما وعند الكوفيين نصب على القطع أراد ملة إبراهيم الحنيف ، فلما سقطت الألف واللام لم تتبع النكرة المعرفة فانقطع منها فانتصب ، والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق ، وتحنف إذا مال وحاصل الجواب أن المعّول في الدين إن كان النظر والاستدلال فقد قدمنا الدلائل ، وإن كان التقليد فالمتفق أولى من المختلف . وقد اتفق الكل على صحة دين إبراهيم فاتباعه أولى وهذا جواب إلزامي ، ثم لما كان من المحتمل أن يزعم اليهود والنصارى أنهم على دين إبراهيم أزيحت علتهم بقوله { وما كان من المشركين } لكون النصارى قائلين بالتثليث واليهود بالتشبيه ، وأيضاً قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله ، فليسوا من ملة إبراهيم التي هي محض التوحيد وخالص الإسلام في شيء { قولوا } خطاب للمؤمنين ، ويجوز أن يكون للكافرين أي قولوا لتكونوا على الحق وإلا فأنتم على الباطل ، وكذلك قوله { بل ملة إبراهيم } يجوز أن يكون أمراً لهم أي اتبعوا ملة إبراهيم أو كونوا أهل ملته ، وهذا جواب آخر برهاني ، وذلك أن طريق معرفة نبوة الأنبياء ظهور المعجز على أيديهم ، ولما ظهر المعجز على يد محمد صلى الله عليه وسلم وجب الاعتراف بنبوته والإيمان به وبما أنزل عليه كما اعترفوا بنبوة إبراهيم وموسى وعيسى ، فإن تخصيص البعض بالقبول وتخصيص البعض بالرد يوجب المناقضة في الدليل وعن الحسن أن قوله { قل بل ملة إبراهيم } خطاب للنبي .