فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِـۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (135)

{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } وهذا فن آخر من فنون كفرهم وإضلالهم لغيرهم إثر بيان ضلالتهم في نفسهم ، قال ابن عباس : نزلت في رؤساء اليهود كعب ابن الأشرف ومالك ابن الصيف ووهب ابن يهودا ، وفي نصارى نجران السيد والعاقب وأصحابهما خاصموا المؤمنين في الدين فكل فريق منهم يزعم أنه أحق بدين الله { قل بل ملة إبراهيم حنيفا } أي قل يا محمد في الرد عليهم هذه المقالة بل الهدى ملة إبراهيم ، والحنيف المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو في أصل اللغة الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها أي تتبع ملة إبراهيم حال كونه حنيفا ، وقال قوم : الحنف الاستقامة فسمي دين إبراهيم حنيفا لاستقامته ، ويسمى معوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة كما قيل للديغ سليم ، وللمهلكة مفازة ، وقال مجاهد : حنيفا متبعا ، وقال ابن عباس : حاجا وعن خصيف قال : الحنيف المخلص ، وقال أبو قلابة : الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم .

وأخرج أحمد{[135]}عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالحنيفية السمحة " وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر عن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله قال : " الحنيفية السمحة " . ونصب ملة على الإغراء ، قاله أبو عبيدة أي ألزموها { وما كان } أي إبراهيم { من المشركين } وفي نفي كونه من المشركين تعريض باليهود لقولهم عزير ابن الله وبالنصارى لقولهم المسيح ابن الله أي أن إبراهيم ما كان على هذه الحالة التي أنتم عليها من الشرك بالله ، فكيف تدعون عليه إنه كان على اليهودية أو النصرانية وتدعون على ملته .


[135]:أحمد ابن حنبل 5/266 6/116 222 البخاري كتاب الإيمان الباب29- أحمد ابن حنبل 1/226 عن أبي أمامة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه قال فمر رجل بغار فيه شيء من ماء قال فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء ويصيب ما حوله من البقل ويتخلى من الدنيا ثم قال لو أني أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل فأتاه فقال يا نبي الله إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة.