قال تعالى مبينا{[1196]} ما وقع : { كَذَلِكَ الْعَذَابُ } [ أي : ] الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى ، وآثر الحياة الدنيا ، وأن يزيله عنه ، أحوج ما يكون إليه .
{ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ } من عذاب الدنيا { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } فإن من علم ذلك ، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب{[1197]}
ثم ختم - سبحانه - قصتهم بقوله : { كَذَلِكَ العذاب } أى : مثل الذى بلونا به أصحاب الجنة ، من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا . . يكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم .
فقوله : { كَذَلِكَ } خبر مقدم { العذاب } مبتدأ مؤخر . والمشار إليه هو ما تضمنته القصة من إتلاف تلك الجنة ، وإذهاب ثمارها .
وقدم المسند وهو الخبر ، على المسند إليه وهو المبتدأ ، للاهتمام بإحضار تلك الصورة العجيبة فى ذهن السامع .
وقوله : { وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يدل على أن المراد بالعذاب السابق عذاب الدنيا .
أى : مثل ذلك العذاب الذى أنزلناه بأصحاب الجنة فى الدنيا ، يكون عذابنا لمشركى قريش ، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وأعظم . . ولو كانوا من أهل العلم والفهم ، لعلموا ذلك ، ولأخذوا منه حذرهم عن طريق الإِيمن والعمل الصالح . هذا ، والمتأمل فى هذه القصة ، يراها زاخرة بالمفاجآت ، وبتصوير النفس الإِنسانية فى حال غناها وفى حال فقرها ، فى حال حصولها على النعمة وفى حال ذهاب هذه النعمة من بين يديها .
كما يراها تحكى لنا سوء عاقبة الجاحدين لنعم الله ، إذ أن هذا الجحود يؤدى إلى زوال النعم ، ورحم الله القائل : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها .
قوله تعالى ذكره كَذلكَ العَذَابُ يقول جلّ ثناؤه : كفعلنا بجنة أصحاب الجنة ، إذ أصبحت كالصريم بالذي أرسلنا عليها من البلاء والاَفة المفسدة ، فعلنا بمن خالف أمرنا وكفر برسلنا في عاجل الدنيا ، وَلَعَذَابُ الاَخِرَة أكْبَرُ يعني عقوبة الاَخرة بمن عصى ربه وكفر به ، أكبر يوم القيامة من عقوبة الدنيا وعذابها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كَذَلكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يعني بذلك عذاب الدنيا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الله : كَذَلكَ العَذَابُ : أي عقوبة الدنيا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كَذَلكَ العَذَابُ قال : عذاب الدنيا : هلاك أموالهم : أي عقوبة الدينا .
وقوله : لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يقول : لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن عقوبة الله لأهل الشرك به أكبر من عقوبته لهم في الدنيا ، لارتدعوا وتابوا وأنابوا ، ولكنهم بذلك جهال لا يعلمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.