وقوله : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : ألحق كلّ إنسان بشكله ، وقرن بين الضّرَباء والأمثال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير ، عن عمر رضي الله عنه وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : هما الرجلان يعملان العمل الواحد يدخلان به الجنة ، ويدخلان به النار .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : هما الرجلان يعملان العمل ، فيدخلان به الجنة ، وقال : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ، قال : ضرباءهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَإذَا النّفْوسُ زُوّجَتْ قال : هما الرجلان يعملان العمل ، يدخلان به الجنة أو النار .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول : سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب ، قال : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَة ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ ثم قال : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : أزواج في الجنة ، وأزواج في النار .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير ، قال : سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن قول الله : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : يُقْرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، وبين الرجل السّوء مع الرجل السّوء في النار .
حدثني محمد بن خلف ، قال : حدثنا محمد بن الصباح الدّولابيّ ، عن الوليد ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والنعمان عن عمر قال : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : الضّرَباء كلّ رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله ، وذلك أن الله يقول : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ قال : هم الضّرَباء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : ألحق كلّ أمرىء بشيعته .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَإذَا النّفُوسُ زوّجَتْ قال : الأمثالُ من الناسُ جُمع بَينهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : لحق كلّ إنسان بشيعته ، اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خيثم وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : يحشر المرء مع صاحب عمله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع ، قال : يجيء المرء مع صاحب عمله .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك أن الأرواح ردّت إلى الأجساد فزوّجت بها : أي جعلت لها زوجا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عمرو ، عن عكرِمة وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : الأرواح تَرجع إلى الأجساد .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن الشعبيّ أنه قال في هذه الاَية : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : زوّجت الأجساد فرُدّت الأرواح في الأجساد .
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن عكرِمة وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : ردّت الأرواح في الأجساد .
حدثني الحسن بن زريق الطهوي ، قال : حدثنا أسباط ، عن أبيه ، عن عكرِمة ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبيّ ، في قوله : وَإذَ النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : زوّجت الأرواح الأجساد .
وأولى التأويلين في ذلك بالصحة ، الذي تأوّله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة التي اعتلّ بها ، وذلك قول الله تعالى ذكره : وكنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً ، وقوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلمُوا وأزْوَاجَهُمْ وذلك لا شكّ الأمثال والأشكال ، في الخير والشرّ ، وكذلك قوله : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ بالقُرَناء والأمثال في الخير والشرّ .
وحدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : سيأتي أوّلها والناس ينظرون ، وسيأتي آخرها إذا النفوس زوّجت .
وقوله تعالى : { وإذا النفوس زوجت } شروع في ذكر الأحوال الحاصلة في الآخرة يوم القيامة وقد انتقل إلى ذكرها لأنها تحصل عقب الستة التي قبلها وابتدىء بأولها وهو تزويج النفوس ، والتزويج : جعل الشيء زوجاً لغيره بعد أن كان كلاهما فرداً ، والتزويج أيضاً : جعل الأشياء أنواعاً متماثلة قال تعالى : { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } [ الرعد : 3 ] لأن الزوج يطلق على النوع والصنف من الأشياء والنفوس : جمع نفس ، والنفس يطلق على الروح ، قال تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك } [ الفجر : 27 ، 28 ] وقال : { أخرجوا أنفسكم } [ الأنعام : 93 ] .
وتطلق النفس على ذات الإنسان قال تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق } [ الأنعام : 151 ] وقال : { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } [ الجمعة : 2 ] وقال : { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] أي فليسلم الداخل على أمثاله من الناس .
فيجوز أن يكون معنى النفوس هنا الأرواح ، أي تزوج الأرواح بالأجساد المخصصة لها فيصير الروح زَوجاً مع الجسد بعد أن كان فرداً لا جسم له في برزخ الأرواح ، وكانت الأجساد بدون أرواح حين يعاد خلقها ، أي وإذا أعطيت الأرواح للأجساد . وهذا هو البعث وهوالمعنى المتبادر أولاً ، وروي عن عكرمة .
ويجوز أن يكون المعنى وإذا الأشخاص نُوعت وصنفت فجعلت أصنافاً : المؤمنون ، والصالحون ، والكفار ، والفجار ، قال تعالى : { وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون } [ الواقعة : 7 10 ] الآية .
ولعل قصد إفادة هذا التركيب لهاذين المعنيين هو مقتضِيَ العدول عن ذكر ما زُوجت النفوس به . وأول منازل البعث اقتران الأرواح بأجسادها ، ثم تقسيم الناس إلى مراتبهم للحشر ، كما قال تعالى : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] ثم قال : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً } [ الزمر : 71 ] ثم قال : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً } [ الزمر : 73 ] الآية .
وقد ذكروا معاني أخرى لتزويج النفوس في هذه الآية غير مناسبة للسياق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.