{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْن } أى : وادخلهم جناتك دخولا دائما لا انقطاع معه . يقال : عدَن فلان بالمكان يعِدنُ عَدْناً ، إذا لزمه وأقام فيه دون أن يبرحه ، ومنه سمى الشئ المخزون فى باطن الأرض بالمعدن ، لأنه مستقر بداخلها .
{ التي وَعَدْتَّهُمْ } فضلا منك وكرما .
وأدخل معهم { وَمَن صَلَحَ } لدخولها بسبب إيمانهم وعملهم الطيب { مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ } يا مولانا { العزيز } أى : الغالب لكل شئ { الحكيم } فى كل تصرفاتك وأفعالك .
فالمراد بالصلاح فى قوله - تعالى - : { وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ } : من كان منهم مؤمنا بالله ، وعمل عملا صالحا ، ودعو لهم بذلك . ليتم سرورهم وفرحهم إذ وجود الآباء والأزواج والذرية مع الإِنسان فى الجنة ، يزيد سروره وانشراحه .
{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } أي : اجمع بينهم وبينهم ، لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة ، كما قال [ تعالى ] {[25438]} { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [ الطور : 21 ] {[25439]} أي : ساوينا بين الكل في المنزلة ، لتقر أعينهم ، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني ، بل رفعنا الناقص في العمل {[25440]} ، فساويناه بكثير العمل ، تفضلا منا ومنة .
قال سعيد بن جبير : إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه ، وأين هم ؟ فيقال : إنهم لم يبلغوا طبقتك{[25441]} في العمل فيقول : إني إنما عملت لي ولهم . فَيُلحَقُونَ به في الدرجة ، ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
قال مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير : أنصحُ عبادِ الله للمؤمنين الملائكةُ ، ثم تلا هذه الآية : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } وأغشُّ عباد الله للمؤمنين الشياطينُ .
وقوله : { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : الذي لا يمانع ولا يغالب ، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، الحكيم في أقوالك وأفعالك ، من شرعك وقدرك {[25442]}
القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدْتّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ إِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن دعاء ملائكته لأهل الإيمان به من عبادة ، تقول : يا رَبّنا وأدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ يعني : بساتين إقامة التي وَعَدْتَهُمْ يعني التي وعدت أهل الإنابة إلى طاعتك أن تدخلهموها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وأزْوَاجِهِمْ وَذُرّياتِهِمْ يقول : وأدخل مع هؤلاء الذين تابوا واتّبَعُوا سَبِيلَكَ جنات عدن من صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم ، فعمل بما يرضيك عنه من الأعمال الصالحة في الدنيا ، وذكر أنه يدخل مع الرجل أبواه وولده وزوجته الجنة ، وإن لم يكونوا عملوا عمله بفضل رحمة الله إياه ، كما :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا يحيى بن يمان العجلي ، قال : حدثنا شريك ، عن سعيد ، قال : يدخل الرجل الجنة ، فيقول : أين أبي ، أين أمي ، أين ولدي ، أين زوجتي ، فيقال : لم يعملوا مثل عملك ، فيقول : كنت أعمل لي ولهم ، فيقال : أدخلوهم الجنة ثم قرأ جَنّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وأزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ .
فمن إذن ، إذ كان ذلك معناه ، في موضع نصب عطفا على الهاء والميم في قوله وأدْخِلْهِمْ وجائز أن يكون نصبا على العطف على الهاء والميم في وعدتهم إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : إنك أنت يا ربنا العزيز في انتقامه من أعدائه ، الحكيم في تدبيره خلقه .
وقرأ جمهور الناس : «جنات عدن » على جمع الجنات . وقرأ الأعمش في رواية المفضل : «جنة عدن » على الإفراد ، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود . والعدن : الإقامة .
وقوله : { ومن يصلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } روي عن سعيد بن جبير في تفسير ذلك : أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول : أي أبي ؟ أين أمي ؟ أين زوجتي ؟ فيلحقون به لصلاحهم ولتنبيهه عليهم وطلبه إياهم ، وهذه دعوة الملائكة : وقرأ عيسى بن عمر : «وذريتهم » بالإفراد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.