تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (8)

الآية 8 وقوله تعالى : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } هذا يخرّج على وجوه :

أحدها : أن الوعد كان منه لجملة المؤمنين ، فسألوه{[18160]} أن يدخل قوما على الإشارة والتعيين في جملة ذلك الوعد لاحتمال خصوص في الجملة ، والله أعلم .

والثاني : سألوه أن [ يُنبئهم عن ]{[18161]} الأسباب والأعمال التي يستوجبون ذلك ، والله أعلم .

والثالث : يجوز أن يكون الوعد لهم بالشرط الذي سألوه ، والله تعالى عالم في الأزل أنه يوجد ذلك الشرط ، وهو سؤالهم ، فيكون لهم ذلك الوعد . ومثل ذلك جائز .

قال الله تعالى : { كان على ربك حتما مقضيًّا } [ مريم : 71 ] مسؤولا إنما يعذبهم بسؤال هؤلاء على ذلك ، كان جرى تقديره أنه لا يعذّبهم إذا سألوا ، وعلم أنهم سألوا .

وعلى ذلك الحديث الوارد : ( إن الصدقة تزيد العمر ) [ الطبراني في الكبير 17/22 و 23 رقمه 31 ] جرى تقديره في الأزل أنه يوجد منه الصدقة ، فيكون عمره زائدا على ما لو علم أنه لا يتصدّق . وإنما لا يجوز التعليق بالشرط في حق الله تعالى على نحو ما يكون في حق العباد أن يوجد عند وجود الشرط ، ولا يوجد عند عدمه ، ولا علم لهم بعاقبة ذلك .

والله تعالى عالم بالعواقب ، فمتى علّق بشرط كان ذلك منه في الأزل حكما على أن يوجد مع ذلك الشرط مع علمه أنه لو لم يكن ذلك الشرط كيف كان ؟ والله الموفّق .

أما ظاهر الآية أنه إذا وعدها لهم أدخلهم لا محالة فيها ، فلا معنى للسؤال في ذلك لما يخرّج السؤال في مثله مخرج السؤال في تصديق الوعد والامتناع عن الخُلف . ولكن الآية تخرّج على الوجوه التي ذكرنا .

وقوله تعالى : { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } الآية سألوه أيضا إدخال هؤلاء في ذلك الوعد أيضا على ما ذكرنا .


[18160]:في الأصل وم: فسألوا.
[18161]:في الأصل وم: يجيبهم على.