ثم أمر - سبحانه - نبيه صلى الله عليه وسلم بمظاهر قدرته - سبحانه - فى هذا الكون ، وأن يوقظ مشاعرهم للتأمل فى ظاهرتين كونيتين ، هما الليل والنهار ، فإن التدبر فيما اشتملتا عليه من تنظيم دقيق ، من شأنه أن يبعث على الإيمان بقدرة موجدهما ، وهو الله عز وجل . قال - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن . . . } .
السرمد : الدائم الذى لا ينقطع ، والمراد به هنا : دوام الزمان من ليل أو نهار .
والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس ليعتبروا ويتعظوا وينتبهوا إلى مظاهر قدرتنا ورحمتنا ، أخبرونى ماذا كان يحصل لكم إن جعل الله - تعالى - عليكم الزمان ليلا دائما إلى يوم القيامة ، { مَنْ إله غَيْرُ الله } - تعالى - { يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ } تبصرون عن طريقه عجائب هذا الكون ، وتقضون فيه حوائجكم { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } ما أرشدناكم إليه سماع تدبر وتفهم واعتبار يهديكم إلى طاعة الله - تعالى - وشكره على نعمه .
ثم قال لهم : أخبرونى بعد ذلك ، لو جعل الله - تعالى - عليكم الزمان ضياء دائما إلى يوم القيامة { مَنْ إله غَيْرُ الله } - تعالى - { يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ } أى : تستريحون فيه من عناء العمل والكد والتعب بالنهار { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } أى : أفلا تبصرون هذه الدلائل الساطعة الدالة على قدرة الله - تعالى - ورأفته بكم .
إن دوام الزمان على هيئة واحدة من ليل أو نهار ، يؤدى إلى اختلال الحياة ، وعدم توفر أسباب المعيشة السليمة لكم ، بل ربما أدى إلى هلاككم .
إن المشاهد من أحوال الناس ، أنهم مع وجود الليل لساعات محدودة ، يشتافون لطلوع الفجر ، لقضاء مصالحهم ، ومع وجود النهار لساعات محدودة - أيضا - يتطلعون إلى حلول الليل ، ليستريحوا فيه من عناء العمل .
وختم - سبحانه - الآية الأولى بقوله : { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } لأن حاسة السمع - فيما لو كان الليل سرمدا - هى أكثر الحواس استعمالا فى تلك الحالة المفترضة ، وختم الآية الثانية بقوله : { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } ، لأن حاسة البصر - فيما لو كان النهار سرمدا - من أكثر الحواس استعمالا فى هذه الحالة .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : بنهار تتصرفون فيه ، كما قيل " بليل تسكنون فيه " ؟
قلت ذكر الضياء - هو ضوء الشمس - لأن المنافع التى تتعلق به متكاثرة ، ليس التصرف فى المعاش وحده ، والظلام ليس بتلك المنزلة .
يقول تعالى ممتنًا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار ، اللذين لا قوَامَ لهم بدونهما . وبين أنه لو جعلَ الليلَ دائمًا عليهم سرمدًا إلى يوم القيامة ، لأضرّ ذلك بهم ، ولسئمته النفوس وانحصرت منه ، ولهذا قال تعالى : { مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ } أي : تبصرون به وتستأنسون بسببه ، { أَفَلا تَسْمَعُونَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ الْلّيْلَ سَرْمَداً إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلََهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله : أيها القوم أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل دائما لا نهار إلى يوم القيامة يعقبه . والعرب تقول لكلّ ما كان متصلاً لا ينقطع من رخاء أو بلاء أو نعمة هو سرمد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : سَرْمَدا : دائما لا ينقطع .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله إنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللّيْلَ سَرْمَدا يقول : دائما .
وقوله : مَنْ إلَهٌ غيرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ يقول : من معبود غير المعبود الذي له عبادة كل شيء يأتيكم بضياء النهار ، فتستضيئون به أفَلا تَسْمَعُونَ يقول : أفلا تُرْعُون ذلك سمعكم ، وتفكرون فيه فتتعظون ، وتعلمون أن ربكم هو الذي يأتي بالليل ويذهب بالنهار إذا شاء ، وإذا شاء أتى بالنهار وذهب بالليل ، فينعم باختلافهما كذلك عليكم .
{ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا } دائما من السرد وهو المتابعة والميم مزيدة كميم دلامص . { إلى يوم القيامة } بإسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها حول الأفق الغائر . { من إله غير الله يأتيكم بضياء } كان حقه هل إله فذكر ب { من } على زعمهم أن غيره آلهة . وعن ابن كثير " بضئاء " بهمزتين . { أفلا تسمعون } سماع تدبر واستبصار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.