المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (29)

29- فانصرف عن هؤلاء الكافرين الذين أعرضوا عن القرآن ولم يكن همهم إلا الحياة الدنيا جاهدين فيما يصلحها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (29)

وبعد هذا البيان الحكيم الذى يحق الحق ، ويبطل الباطل ، أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أى يمضى فى طريقه الذى رسمه - سبحانه - له ، وأن يترك حساب هؤلاء الضالين لله - تعالى - الذى يجازى كل نفس بما كسبت ، والذى يعلم السر وأخفى ، والذى رحمته وسعت كل شىء . . . فقال - تعالى - : { فَأَعْرِضْ عَن . . . } .

الفاء فى قوله : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا } للإفصاح . وأصل الإعراض : لفت الوجه عن الشىء ، لأن الكاره لشىء يعرض بصفحة خده عنه .

والمراد به هنا : ترك هؤلاء المشركين ، وعدم الحرص على إيمانهم ، بعد أن وصلتهم دعوة الحق . . . أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - من أن هؤلاء المشركين ، ما يتبعون فى عقائدهم إلى الظن الباطل ، وإلا ما تشتهيه أنفسهم . .

فاترك مجادلتهم ولا تهتم بهم ، بعد أن بلغتهم رسالة ربك . . . فإنهم قوم قد أصروا على عنادهم . وعلى الإدبار عن وحينا وقرآننا الذى أنزلناه إليك ، ولم يريدوا من حياتهم إلا التشبع من زينة الحياة الدنيا ، ومن شهواتها ومتعها .

ومن كان كذلك فلن تستطيع أن تهديه ، لأنه آثر الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية . وجىء بالاسم الظاهر فى مقام الإضمار ، فقيل : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا } ولم يقل : فأعرض عنهم . . . لبيان ما تؤذن به صلة الموصول من علة الأمر بالإعراض عنهم ، وهى أنهم قوم أعرضوا عن الوحى ، ولم يريدوا سوى متع دنياهم ، وأما ما يتعلق بالآخرة فهم فى غفلة عنه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (29)

وحين يبلغ إلى هذا الحد من بيان وهن عقيدة الشرك وتهافتها عند الذين لا يؤمنون بالآخرة ، ويشركون بالله ، وينسبون له البنات ويسمون الملائكة تسمية الأنثى ! يتجه بالخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليهمل شأنهم ويعرض عنهم ، ويدع أمرهم لله الذي يعلم المسيء والمحسن ، ويجزي المهدي والضال ، ويملك أمر السماوات والأرض ، وأمر الدنيا والآخرة ، ويحاسب بالعدل لا يظلم أحدا ، ويتجاوز عن الذنوب التي لا يصر عليها فاعلوها . وهو الخبير بالنوايا والطوايا ، لأنه خالق البشر المطلع على حقيقتهم في أطوار حياتهم جميعا :

فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا . ذلك مبلغهم من العلم . إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى . ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش - إلا اللمم - إن ربك واسع المغفرة . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم . فلا تزكوا أنفسكم . هو أعلم بمن اتقى . .

هذا الأمر بالإعراض عمن تولى عن ذكر الله ، ولم يؤمن بالآخرة ، ولم يرد إلا الحياة الدنيا . موجه ابتداء إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليهمل شأن أولئك المشركين الذين سبق الحديث في السورة عن أساطيرهم وأوهامهم وعدم إيمانهم بالآخرة .

وهو موجه بعد ذلك إلى كل مسلم يواجهه من يتولى عن ذكر الله ويعرض عن الإيمان به ؛ ويجعل وجهته الحياة الدنيا وحدها ، لا ينظر إلى شيء وراءها ، ولا يؤمن بالآخرة ولا يحسب حسابها . ويرى أن حياة الإنسان على هذه الأرض هي غاية وجوده ، لا غاية بعدها ؛ ويقيم منهجه في الحياة على هذا الاعتبار ، فيفصل ضمير الإنسان عن الشعور بإله يدبر أمره ، ويحاسبه على عمله ، بعد رحلة الأرض المحدودة ، وأقرب من تتمثل فيه هذه الصفة في زماننا هذا هم أصحاب المذاهب المادية .

والمؤمن بالله وبالآخرة لا يستطيع أن يشغل باله - فضلا على أن يعامل أو يعايش - من يعرض عن ذكر الله ، وينفي الآخرة من حسابه . لأن لكل منهما منهجا في الحياة لا يلتقيان في خطوة واحدة من خطواته ، ولا في نقطة واحدة من نقاطه . وجميع مقاييس الحياة ، وجميع قيمها ، وجميع أهدافها ، تحتلف في تصور كل منهما . فلا يمكن إذن أن يتعاونا في الحياة أي تعاون ، ولا أن يشتركا في أي نشاط على هذه الأرض . مع هذا الاختلاف الرئيسي في تصور قيم الحياة وأهدافها ومناهج النشاط فيها ، وغاية هذا النشاط . وما دام التعاون والمشاركة متعذرين فما داعي الاهتمام والاحتفال ? إن المؤمن يعبث حين يحفل شأن هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله ولا يريدون إلا الحياة الدنيا . وينفق طاقته التي وهبه الله إياها في غير موضعها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (29)

ثم سلى تعالى نبيه وأمره بالإعراض عن هؤلاء الكفرة ، وما في الآية من موادعتهم منسوخ بآية السيف . وقوله : { ولم يرد إلا الحياة الدنيا } معناه لا يصدق بغيرها ، فسعيه كله وعمله إنما هو لدنياه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا} (29)

{ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم } .

بعد أن وصف مداركهم الباطلة وضلالهم فَرَّع عليه أمرَ نبيه صلى الله عليه وسلم بالإِعراض عنهم ذلك لأن ما تقدم من وصف ضلالهم كان نتيجة إعراضهم عن ذكر الله وهو التولّي عن الذكر فحق أن يكون جزاؤهم عن ذلك الإِعراض إعراضاً عنهم فإن الإِعراض والتولي مترادفان أو متقاربان فالمراد ب { من تولى } الفريق الذين أعرضوا عن القرآن وهم المخاطبون آنفاً بقوله : { ما ضل صاحبكم وما غوى } [ النجم : 2 ] وقوله : { أفرأيتم اللات والعزى } [ النجم : 19 ] والمخبر عنهم بقوله : { إن يتبعون إلا الظن } [ النجم : 28 ] الخ وقوله : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة } [ النجم : 27 ] الخ .

والإِعراض والتولي كلاهما مستعمل هنا في مجازه ؛ فأما الإِعراض فهو مستعار لترك المجادلة أو لترك الاهتمام بسلامتهم من العذاب وغضب الله ، وأما التولي فهو مستعار لعدم الاستماع أو لعدم الامتثال .

وحقيقة الإِعراض : لفت الوجه عن الشيء لأنه مشتق من العارض وهو صفحة الخد لأن الكاره لشيء يصرف عنه وجهه .

وحقيقة التولي : الإِدبار والإِنصراف ، وإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنهم المأمور به مراد به عدم الاهتمام بنجاتهم لأنهم لم يقبلوا الإِرشاد وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بإدامة دعوتهم للإِيمان فكما كان يدعوهم قبل نزول هذه الآية فقد دعاهم غير مرة بعد نزولها ، على أن الدعوة لا تختص بهم فإنها ينتفع بها المؤمنون ، ومن لم يسبق منه إعراض من المشركين فإنهم يسمعون ما أنذر به المعرضون ويتأملون فيما تصفهم به آيات القرآن ، وبهذا تعلم أن لا علاقة لهذه الآية وأمثالها بالمتاركة ولا هي منسوخة بآيات القتال .

وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله : { فأعرض عنهم وعظهم } في سورة النساء { 63 } وقوله : { وأعرض عن المشركين } في سورة الأنعام { 106 } ، فضُم إليه ما هنا .

وما صدق { من تولى } القوم الذين تولوا وإنما جرى الفعل على صيغة المفرد مراعاة للفظ { مَن } ألا ترى قوله : { ذلك مبلغهم } بضمير الجمع .

وجيء بالاسم الظاهر في مقام الإِضمار فقيل { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا } دون : فأعرض عنهم لما تؤذن به صلة الموصول من علة الأمر بالإِعراض عنهم ومن ترتب توليهم عن ذكر الله على ما سبق وصفه من ضلالهم إذ لم يتقدم وصفهم بالتولّي عن الذكر وإنما تقدم وصف أسبابه .

والذكر المضاف إلى ضمير الجلالة هو القرآن .

ومعنى { ولم يرد إلا الحياة الدنيا } كناية عن عدم الإِيمان بالحياة الآخرة كما دل عليه قوله : { ذلك مبلغهم من العلم } لأنهم لو آمنوا بها على حقيقتها لأرادُوها ولو ببعض أعمالهم .