ثم أكد - سبحانه - صدق ما أخبر به عن عيسى وغيره فقال : { إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم } .
أى إن الذى قصصناه عليك وأخبرناك به يا محمد من شأن عيسى ومن كل شأن من الشؤون لهو القصص الثابت الذى لا مجال فيه لإنكار منكر ، ولا لتشكيك متشكك .
وقد أكد - سبحانه - صدق هذا القصص بحرف إن وباللام فى قوله { لَهُوَ } وبضمير الفصل " هو " وبالقصر الذى تضمنه تعريف الطرفين وذلك ليكون الرد حاسما على كل منكر ما أخبر الله به فى شأن عيسى - عليه السلام - وفى كل ما قصه على نبيه صلى الله عليه وسلم .
وقوله { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله } نفى قاطع لأن يكون هناك إله سوى الله - تعالى - وإثبات بأن الألوهية الحقة إنما هي لله رب العالمين .
وقد أكد - سبحانه - نفى الألوهية عن غيره بكلمة { مِنْ } المفيدة لاستغراق النفى استغراقا مستمرا ثابتا مؤكدا .
وقوله { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله } " ما " النافية ، و " إله " فى قوله { مِنْ إله } مبتدأ و { مِنْ } مزيدة فيه ، و { إِلاَّ الله } خبره والتقدير : وما إله إلا الله ، وزيدت من للاستغراق والعموم .
وقوله { وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم } تذييل قصد به تأكيد قصر الألوهية على الله - تعالى - وحده ، أى وإن الله - تعالى - لهو المنفرد بالألوهية وحده ؛ لأنه هو الغالب الذى يقهر ولا يقهر ، الحكيم في كل ما يخلقه ويدبره .
وفى هذا التذييل أيضاً رد على أولئك الضالين الذين يزعمون أن المسيح إله ويعتقدون مع ذلك أنه صلب ولم يستطع أن يدافع عن نفسه .
ثم يمضي التعقيب بعد الدعوة إلى المباهلة - وربما كانت الآيات التالية قد نزلت بعد الامتناع عنها - يقرر حقيقة الوحي ، وحقيقة القصص ، وحقيقة الوحدانية التي يدور حولها الحديث ؛ ويهدد من يتولى عن الحق ويفسد في الأرض بهذا التولي : ( إن هذا لهو القصص الحق . وما من إله إلا الله . وإن الله لهو العزيز الحكيم .
والحقائق التي تقررها هذه النصوص سبق تقريرها . وهي تذكر هنا للتوكيد بعد الدعوة إلى المباهلة وآبائها . .
{ إن هذا } أي ما قص من نبأ عيسى ومريم . { لهو القصص الحق } بجملتها خبر إن ، أو هو فصل يفيد أن ما ذكره في شأن عيسى ومريم حق دون ما ذكروه ، وما بعده خبر واللام دخلت فيه لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ { وما من إله إلا الله } صرح فيه ب{ من } المزيدة للاستغراق تأكيدا للرد على النصارى في تثليثهم { وإن الله لهو العزيز الحكيم } لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية .
{ هذا } خبر من الله تعالى جزم مؤكد فصل به بين المختصمين ، والإشارة ب{ هذا } هي إلى ما تقدم في أمر عيسى عليه السلام ، قاله ابن عباس وابن جريج وابن زيد وغيرهم : و{ القصص } معناه الأخبار ، تقول : قص يقص ، قصاً وقصصاً ، إذا تتبع الأمر يخبر به شيئاً بعد شيء ، قال قوم : هو مأخوذ من قص الأثر ، وقوله { لهو } يحتمل أن يكون فصلاً ويحتمل أن يكون ابتداء ، و{ من } قوله { من إله } مؤكدة بعد النفي ، وهي التي يتم الكلام دونها لكنها تعطي معنى التأكيد .
جملة { إن هذا لهو القصص الحق } وما عطف عليها بالواو اعتراض لبيان ما اقتضاه قوله : { الكاذبين } [ آل عمران : 61 ] لأنهم نفوا أن يكون عيسى عبد الله ، وزعموا أنه غلب فإثبات أنه عبد هو الحق .
واسم الإشارة راجع إلى ما ذكر من نفي الإلهية عن عيسى .
والضمير في قوله لَهو القصصُ ضمير فصل ، ودخلت عليه لام الابتداء لزيادة التقوية التي أفادَها ضمير الفصل ؛ لأنّ اللام وَحدها مفيدة تقوية الخبر وَضمير الفصل يفيد القصر أي هذا القصص لا ما تَقُصُّه كتُب النصارى وعَقائِدهم .
والقصَص بفتح القاف والصاد اسم لما يُقَص ، يقال : قَصّ الخبر قَصّاً إذا أخبر به ، والقَصُّ أخص من الإخبار ؛ فإنّ القص إخبار بخبرٍ فيه طولٌ وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يُخبر بها قِصة بكسر القاف أي مقصوصة أي مما يقُصها القُصّاص ، ويقال للذي ينتصب لتحديث الناس بأخبار الماضين قَصّاص بفتح القاف . فالقصصُ اسم لما يُقص : قال تعالى : { نحن نقص عليك أحسن القصص } وقيل : هو اسم مصدر وليس هو مصدراً ، ومن جرى على لسانه من أهل اللغة أنه مصدر فذلك تسامح من تسامح الأقدمين ، فالقصّ بالإدغام مصدر ، والقصص بالفَكّ اسم للمصدر واسم للخبر المقصوص .
وقوله : { وما من إله إلا الله } تأكيد لحقيَّة هذا القصص . ودخلت من الزائدة بعد حرف نفي تنصيصاً على قصد النفي الجنس لتدل الجملة على التوحيد ، ونفي الشريك بالصراحة ، ودلالةِ المطابقة ، وأن ليس المراد نفي الوحدة عن غير الله ، فيوهم أنه قد يكون إلاَ هَان أو أكثر في شقّ آخر ، وإن كان هذا يؤول إلى نفي الشريك لكن بدلالة الالتزام .
وقوله : { وإن الله لهو العزيز الحكيم } فيه ما في قوله : { إن هذا لهو القصص الحق } فأفاد تقوية الخَبر عَن الله تعالى بالعزّة والحكم ، والمقصود إبطال إلهية المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من النصارى ، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذِلّة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه ، وهو أيضاً إبطال لإلهيته على اعتقادنا ؛ لأنه كان محتَاجَاً لإنقاذه من أيدي الظالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.