المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

206- إن الذين هم قريبون من ربك بالتشريف والتكريم ، لا يستكبرون عن عبادته ، وينزهونه عما لا يليق به ، وله يخضعون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

ثم ذكر - سبحانه - ما يقوى دواعى الذكر ، وينهض بالهمم إليه ، بمدحه للملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فقال : { إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ } وهم ملائكة الملأ الأعلى .

والمراد بالعندية القرب من الله - تعالى - بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزهه - سبحانه - عن ذلك .

{ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } بل يؤدونها حسبما أمروا به بخضوع وطاعة .

{ وَيُسَبِّحُونَهُ } أى : ينزهونه عن كل مالا يليق بجلاله على ابلغ وجه .

{ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } أى : يخصونه وحده بغاية العبودية والتذلل والخضوع ، ولا يشركون معه أحداً في عبادة من عباداتهم .

ختام السورة:

أما بعد : فهذه هى سورة الأعراف التي سبحت بنا سبحاً طويلا وهى تحدثنا عن أدلة وحدانية الله ، وعن هداية القرآن الكريم ، وعن مظاهر نعم الله على خلقه ، وعن اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وعن بعض الأنبياء وما جرى لهم مع أقوامهم ، وكيف كانت عاقبة هؤلاء الأقوام ، وعن سنن الله - تعالى - في إسعاد الأمم وإشقائها ، وغير ذلك من أصول التشريع وآداب الاجتماع ، وشئون البشر .

وقد استعملت السورة في أوامرها ونواهيها وتوجيهاتها أساليب التذكير بالنعم ، والتخويف من النقم ، وإيراد الحجج المقنعة ، ودفع الشبهات الفاسدة .

وهذا تفسير لها تناولنا فيه بالشرح والتحليل ما اشتملت عليه من توجيهات سامية ، وآداب عالية ، ومقاصد جليلة ، وحجج باهرة ، ومواعظ مؤثرة .

والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعا لنا يوم الدين .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

199

ثم يضرب الله مثلاً بالذين عنده من الملائكة المقربين : الذين لا ينزغ في أنفسهم شيطان ، فليس له في تركيب طبيعتهم مكان ! ولا تستبد بهم نزوة ، ولا تغلبهم شهوة . ومع هذا فهم دائبون على تسبيح الله وذكره ، لا يستكبرون عن عبادته ولا يقصرون . وللإنسان أحوج منهم إلى الذكر والعبادة والتسبيح . وطريقه شاق ! وطبيعته قابلة لنزغ الشيطان ! وقابلة للغفلة المردية ! وجهده محدود . لولا هذا الزاد في الطريق الكؤود :

( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته . ويسبحونه . وله يسجدون ) . .

إن العبادة والذكر عنصر أساسي في منهج هذا الدين . . إنه ليس منهج معرفة نظرية . وجدل لاهوتي . إنه منهج حركة واقعية لتغيير الواقع البشري . وللواقع البشري جذوره وركائزه في نفوس الناس وفي أوضاعهم سواء . وتغيير هذا الواقع الجاهلي إلى الواقع الرباني الذي يريده الله للناس وفق منهجه مسألة شاقة عسيرة ؛ تحتاج إلى جهد طويل ، وإلى صبر عميق . وطاقة صاحب الدعوة محدودة . ولا قبل له بمواجهة هذه المشقة دون زاد يستمده من ربه . إنه ليس العلم وحده ، وليست المعرفة وحدها . إنما هي العبادة لله والاستمداد منه . . هي الزاد ، وهي السند ، وهي العون ؛ في الطريق الشاق الطويل !

ومن ثم هذا التوجيه الأخير في السورة التي بدأت بقول الله سبحانه لرسوله الكريم ، ( كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به ، وذكرى للمؤمنين ) . . والتي تضمن سياقها عرض موكب الإيمان ، بقيادة الرهط الكريم من رسل الله الكرام ؛ وما يعترض طريقه من كيد الشيطان الرجيم ؛ ومن مكر شياطين الجن والإنس ؛ ومن معارضة المتجبرين في الأرض ، وحرب الطواغيت المتسلطين على رقاب العباد .

إنه زاد الطريق . وعدة الموكب الكريم في هذا الطريق . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

{ إن الذين عند ربك } يعني ملائكة الملأ الأعلى . { لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه } وينزهونه . { وله يسجدون } ويخصونه بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره ، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين ولذلك شرع السجود لقراءته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول : يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار " .

ختام السورة:

وعنه صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس سترا وكان آدم شفيعا له يوم القيامة " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

وقوله { الذين } يريد الملائكة ، وقوله { عند } إنما يريد في المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان ، فهم بذلك عنده ، ثم وصف تعالى حالهم من تواضعهم وإدمانهم للعبادة والتسبيح والسجود ، وفي الحديث : «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد » وهذا موضع سجدة ، قال النخعي في كتاب النقاش : إن شئت ركعت وإن شئت سجدت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩} (206)

تتنزل منزلة العلة للأمر بالذكر ، ولذلك صُدرت ب { إن } التي هي لمجرد الاهتمام بالخبر ، لا لرد تردد أو إنكار ، لأن المخاطب منزه عن أن يتردد في خبر الله تعالى ، فحرف التوكيد في مثل هذا المقام يغني غناء فاء التفريع ، ويفيد التعليل كما تقدم غير مرة ، والمعنى : الحث على تكرر ذكر الله في مختلف الأحوال ، لأن المسلمين مأمورون بالاقتداء بأهل الكمال من الملإ الأعلى ، وفيها تعريض بالمشركين المستكبرين عن عبادة الله بأنهم منحطون عن تلك الدرجات .

والمراد ب { الذين عند ربك } الملائكة ، ووجه جعل حال الملائكة علة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر : أن مرتبة الرسالةُ تلحق صاحبها من البشر برتبة الملائكة ، فهذا التعليل بمنزلة أن يقال : اذكر ربك لأن الذكر هو شان قبيلك ، كقول ابن دارة سالم بن مسافع :

فإن تتقوا شراً فمثلُكم اتقى *** وإن تفعلوا خيراً فمثلكُمُ فعل

فليس في هذا التعليل ما يقتضي أن يكون الملائكة أفضل من الرسل ، كما يتوهمه المعتزلة لأن التشبه بالملائكة من حيث كان الملائكة أسبقَ في هذا المعنى ؛ لكونه حاصلاً منهم بالجِبِلّة فهم مثل فيه ، ولا شبهة في أن الفريق الذين لم يكونوا مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة ، إذا تخلقوا بمثل خلق الملائكة ، كان سُموهم إلى تلك المرتبة أعجب ، واستحقاقهم الشكر والفضل له أجدر .

ووجه العدول عن لفظ الملائكة إلى الموصولية : ما تؤذن به الصلة من رفعة منزلتهم ، فيتذرع بذلك إلى إيجاد المنافسة في التخلق بأحوالهم .

و { عند } مستعمل مجازاً في رفعة المقدار ، والحظوة الآلهية .

وقوله : { لا يستكبرون عن عبادته } ليس المقصود به التنويه بشأن الملائكة لأن التنويه بهم يكون بأفضل من ذلك ، وإنما أريد به التعريض بالمشركين وأنهم على النقيض من أحوال الملائكة المقربين ، فخليق بهم أن يكونوا بعداء عن منازل الرفعة ، والمقصود هو قوله : { ويسبحونه } أي ينزهونه بالقول والاعتقاد عن صفات النقص ، وهذه الصلة هي المقصودة من التعليل للأمر بالذكر .

واختيار صيغة المضارع لدلالتها على التجديد والاستمرار ، أو كما هو المقصود وتقديم المعمول من قوله : { وله يسجدون } للدلالة على الاختصاص أي ولا يسجدون لغيره ، وهذا أيضاً تعريض بالمشركين الذين يسجدون لغيره ، والمضارع يفيد الاستمرار أيضاً .

وهنا موضع سجود من سجود القرآن ، وهو أولها في ترتيب الصحف ، وهو من المتفق على السجود فيه بين علماء الأمة ، ومقتضى السجدة هنا أن الآية جاءت للحض على التخلق بأخلاق الملائكة في الذكر ، فلما أخبرت عن حالة من أحوالهم في تعظيم الله وهو السجود لله ، أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبادر بالتشبه بهم تحقيقاً للمقصد الذي سبق هذا الخبر لأجله .

وأيضاً جرى قبل ذلك ذكر اقتراح المشركين أن يأتيهم النبي صلى الله عليه وسلم بآية كما يقترحون فقال الله له : { قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي } [ الأعراف : 203 ] وبأن يأمرهم بالاستماع للقرآن وذكر أن الملائكة يسجدون لله ، شرع الله عند هذه الآية سجوداً ؛ ليظهر إيمان المؤمنين بالقرآن وجحود الكافرين به حين سجد المؤمنون ، ويمسك المشركون الذين يحضرون مجالس نزول القرآن ، وقد دل استقراء مواقع سجود القرآن أنها لا تعدو أن تكون إغاظة للمشركين أو اقتداء بالأنبياء أو المرسلين كما قال ابن عباس في سجدة ، { فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب } [ ص : 24 ] أن الله تعالى قال : { فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] فداود ممن أمر محمد صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي به .