ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك بشىء من التفصيل ، الأسباب التى أدت إلى نسيان آدم وضعف عزيمته فقال : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى .
أى : وأذكر - أيها المخاطب - وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم سجود تكريم لا سجود عبادة ، فامتثلوا لأمرنا ، إلا إبليس فإنه أبى السجود لآدم تكبرا وغرورا وحسدا له على هذا التكريم .
وقوله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } يذكر تعالى تشريف آدم وتكريمه ، وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلا .
وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة " البقرة " وفي " الأعراف " وفي " الحجر " و " الكهف " {[19521]} وسيأتي في آخر سورة " ص " {[19522]} [ إن شاء الله تعالى ] . {[19523]} يذكر فيها تعالى خَلْقَ آدم وأَمْرَه الملائكة بالسجود له تشريفًا وتكريمًا ، ويبين{[19524]} عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديمًا ؛ ولهذا قال تعالى : { فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى } أي : امتنع واستكبر .
{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } مقدر أي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك أنه نسي ولم يكن من أولي العزيمة والثبات . { فسجدوا إلا إبليس } قد سبق القول فيه . { أبى } جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السجود وهو الاستكبار وعلى هذا لا يقدر له مفعول مثل السجود المدلول عليه بقوله { فسجدوا } لأن المعنى أظهر الإباء عن المطاوعة .
وقوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة } ابتداء قصة ، والعامل ، في { إذ } فعل مضمر وقد تقدم استيعاب هذه القصة لكن نذكر من ذلك ما تقتضيه ألفاظ هذه الآية ، فالملائكة قيل كان جميعهم مأمور بذلك وقيل بل فرقة فاضلة منهم عددهم اثنان وعشرون ، و «السجود » الذي أمروا به سجود كرامة لآدم وعبادة لله تعالى ، وقوله تعالى : { إلا إبليس } الاستثناء متصل في قول من جعل إبليس من الملائكة ، ومنقطع في قول من قال هو من قبيلة غير الملائكة يقال لها الجن .
هذا بيان لجملة { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل } [ طه : 115 ] إلى آخرها ، فكان مقتضى الظاهر أن لا يكون معطوفاً بالواو بل أن يكون مفصولاً ، فوقوع هذه الجملة معطوفة اهتمام بها لتكون قصة مستقلة فتلفت إليها أذهان السامعين . فتكون الواو عاطفة قصة آدم على قصة موسى عطفاً على قوله { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى ناراً } [ طه : 10 ] ، ويكون التقدير : واذكر إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، وتكون جملة { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل } تذييلاً لقصة هارون مع السامريّ وقوله { من قبل } أي من قبل هارون . والمعنى : أنّ هارون لم يكن له عزم في الحفاظ على ما عهد إليه موسى . وانتهت القصة بذلك التذييل ، ثمّ عطف على قصة موسى قصة آدم تبعاً لقوله { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } [ طه : 99 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.