إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ} (116)

وقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ } شروعٌ في بيان المعهودِ وكيفيةِ ظهور نسيانِه وفُقدانِ عزمِه ، وإذ منصوبٌ على المفعولية بمضمر خوطب به النبيُّ عليه الصلاة والسلام ، أي واذكر وقتَ قولِنا لهم ، وتعليقُ الذكر بالوقت مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوادث لما مر مراراً من المبالغة في إيجاب ذكرِها فإن الوقتَ مشتملٌ على تفاصيل الأمورِ الواقعةِ فيه ، فالأمرُ بذكره أمرٌ بذكر تفاصيلِ ما وقع فيه بالطريق البرهانيِّ ، ولأن الوقتَ مشتملٌ على أعيان الحوادثِ فإذا ذكر صارت الحوادثُ كأنها موجودةٌ في ذهن المخاطَبِ بوجود ذاتها العينيةِ ، أي اذكر ما وقع في ذلك الوقتِ منا ومنه حتى يتبينَ نسيانُه وفقدانُ عزمِه { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } قد سبق الكلامُ فيه مراراً { أبى } جملةٌ مستأنفةٌ وقعت جواباً عن سؤال نشأ عن الأخبار بعدم سجودِه ، كأنه قيل : ما بالُه لم يسجُدْ ؟ فقيل : أبى واستكبر ، ومفعول أبى إما محذوفٌ أي أبى السجودَ كما في قوله تعالى : { أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين } أو غيرُ مَنْويَ رأساً بتنزيله منزلةَ اللام أي فعل الإباءَ وأظهره .