ثم أرشدهم إلى أن ما عند الله خير وأبقى مما يجمعونه عن الطريق الحرام فقال : { بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } .
ولفظ { بقية } اسم مصدر من الفعل : بقى ، ضد : فنى . وإضافتها إلى الله - تعالى - إضافة تشريف وتيمن .
أى : ما يبقيه الله لكم من رزق حلال ، ومن حال صالح ، ومن ذكر حسن ، ومن أمن وبركة فى حياتكم . . . بسبب التزامكم بالقسط فى معاملاتكم ، هو خير لكم من المال الكثير الذى تجمعونه عن طريق بخس الناس أشياءهم .
وجملة " إن كنتم مؤمنين " معترضة لبيان أن هذه الخيرية لا تتم إلا مع الإِيمان .
أى : ما يبقيه الله لكم من الحلال . . . هو خير لكم ، إن كنتم مصدقين بما أرسلت به إليكم ، أما إذا لم تكونوا كذلك فلن تكون بقية الله خيرا لكم ، لأنها لا تكون إلا للمؤمنين ، فاستجيبوا لنصيحتى لتسعدوا فى دنياكم وآخرتكم .
وجملة " وما أنا عليكم بحفيظ " تحذير لهم من مخالفته بعد أن أدى ما عليه من بلاغ .
أى : وما أنا عليكم بحفيظ أحفظ لكم أعمالكم وأحاسبكم عليها ، وأجازيكم بها الجزاء الذى تستحقونه ، وإنما أنا ناصح ومبلغ ما أمرنى ربى بتبليغه ، وهو وحده - سبحانه - الذى سيتولى مجازاتكم .
وإلى هنا نجد شعيباً - عليه السلام - قد أرشد قومه إلى ما يصلحهم فى عقائدهم ، وفى معاملاتهم ، وفى صلاتهم بعضهم ببعض ، وفى سلوكهم الشخصى ، بأسلوب حكيم جامع لكل ما يسعد ويهدى للتى هى أقوم .
( بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ) . .
فما عند الله أبقى وأفضل . . وقد دعاهم في أول حديثه إلى عبادة الله وحده - أي الدينونة له بلا شريك -
فهو يذكرهم بها هنا ، مع ذكر الخير الباقي لهم عند الله إن آمنوا كما دعاهم ، واتبعوا نصيحته في المعاملات . وهي فرع عن ذلك الإيمان .
( بقية الله خير لكم . . إن كنتم مؤمنين ) . .
ثم يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه ، ويبين لهم أنه هو لا يملك لهم شيئا ، كما أنه ليس موكلا بحفظهم من الشر والعذاب . وليس موكلا كذلك بحفظهم من الضلال ولا مسؤولا عنهم إن هم ضلوا ، إنما عليه البلاغ وقد أداه :
ومثل هذا الأسلوب يشعر المخاطبين بخطورة الأمر ، وبثقل التبعة ، ويقفهم وجها لوجه أمام العاقبة بلا وسيط ولا حفيظ .
وقوله : { بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } قال ابن عباس : رزق الله خَيْر لكم .
وقال الحسن : رزق الله خير [ لكم ]{[14862]} من بخسكم الناس .
وقال الربيع بن أنس : وصية الله خير لكم .
وقال مجاهد : طاعة الله [ خير لكم ]{[14863]} .
وقال قتادة : حظكم من الله خير لكم .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : " الهلاك " في العذاب ، و " البقية " في الرحمة .
وقال أبو جعفر بن جرير : { بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } أي : ما يفضُل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان { خَيْرٌ لَكُمْ } أي : من أخذ أموال الناس قال : وقد روي هذا عن ابن عباس .
قلت : ويشبه قوله تعالى : { قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } [ المائدة : 100 ] .
وقوله : { وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي : برقيب ولا حفيظ ، أي : افعلوا ذلك لله عز وجل . لا تفعلوه{[14864]} ليراكم الناس ، بل لله عز وجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.