اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (86)

ثم قال : { بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } العامَّة على تشديد ياء " بقيَّة " . وقرأ{[18943]} إسماعيلُ بن جعفر - من أهل المدينة - بتخفيفها قال ابنُ عطيَّة : " هي لغةٌ " .

وهذا لا ينبغي أن يقال ، بل يقال : إنْ لم يقصد الدَّلالةُ على المبالغة جيء بها مخففة وذلك أنَّ " فِعَل " بكسر العين إذا كان لازماً فقياسُ الصِّفة منه : " فَعِل " بكسر العين نحو : سَجيَت المرأة فهي سجيَة فإن قصدت المبالغة قيل : سجيَّة ، لأنَّ فعيلاً من أمثلة المبالغة فكذلك " بقيَّة وبقِية " أي : بالتَّشديد والتَّخفيف .

قال المفسِّرون " بقيَّةُ اللهِ " هي تقواه . قال ابنُ عباسٍ : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيلِ والوزن خيرٌ ممَّا تأخذونه بالتطفيف{[18944]} . وقال مجاهدٌ : " بقيَّةُ اللهِ " يعنى طاعة الله خير لكم من ذلك القدر القليل ؛ لأنَّ منفعة الطَّاعة تبقى أبدا{[18945]} .

قوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } قال ابنُ عطيَّة - رحمه الله - : " وجوابُ هذا الشَّرط متقدِّمٌ " يعنى : على مذهب من يراهُ لا على مذهب جمهور البصريِّين .

وإنَّما شرط الإيمان لكونه خيراً لهُمْ ؛ لأنهم إن كانوا مؤمنين مقرِّين بالثَّواب والعقابِ عرفوا أنَّ السَّعي في تحصيل الثَّواب وفي الحذر من العقابِ خير لهم من السَّعي في تحصيل ذلك القليل .

والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط ؛ فدلَّ ظاهرُ الآية على أنَّ من لم يحترز عن هذا التطفيف لا يكون مُؤمناً .

قوله : { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي : إنِّي نصحتكم ، وأرشدتكم إلى الخير ، وما عليّ منعكم من هذا الفعل القبيح . وقيل : لمَّا قال لهم : إنَّ البخس والتطفيف يزيل النعم عنكم ، وأنا لا أقدر على حفظها عليكم في تلك الحالة .


[18943]:ينظر: المحرر الوجيز 3/199، والبحر المحيط 5/253.
[18944]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/398).
[18945]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/99) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/626) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.